انطلاقة “أذكرني في ملكوتك”،
كنيسة مار مخايل – بيت الشعار، المتن.
عِظة القدّاس الإلهيّ للخوري ريمون جرجورة، خادم الرعيّة:
باسم الآب والابن والرّوح القدس، الإله الواحد، آمين.
في رسالة مار بولس إلى أهل روما، تُلِيَتْ على مسامِعنا اليوم الآية: “افرحوا مع الفرحين، وابكوا مع الباكين”. إنّ الفرح لا يشير إلى الرّقص والغناء، والبكاء لا يشير إلى البقاء حزانى طول الحياة، بل المقصود بتلك الآية، أن نشارك الآخرين مشاعرَهم وأحاسيسَهم ومواقفَهم أيضًا. وبالطبع، لا نستطيع أن نذهبَ من أجل تعزية أحدِ المحزونين، ونرقص الدبكة، كما أنّه لا يجب أن نذهبَ إلى عرسٍ باكين ونائحين، غير أن البعض قد يقرع الأجراس حزنًا في عرسٍ ما، إن كان أحد العروسين غير مُوافق عليه من قِبَل الطرف الآخر.
إنّ بولس الرسول يقول لنا إنّنا كجماعةٍ مسيحيّةٍ قد أعلنت إيمانهَا بيسوع المسيح القائم من الموت، علينا أن نكون جماعةً واحدةً بقلبٍ واحد، حاضرةً لمواساة بعضها البعض في الأحزان والتشارك في الأفراح. على المسيحيّين أن يتّحدوا مع بعضِهم البعض ويتماسكوا أيضًا. وأنا حين أنقل الايمانَ لابنتي من خلال التعليم المسيحيّ، تسألني: هل حقًا هذا ما يُطبّق فعلاً؟ علينا أن نسأل ذواتنا: أنحن فعلاً نطبِّق القِيَم والمبادئ المسيحيّة في حياتنا؟ إنّنا، نحن المسيحيّين، مدعوّون كي نكون علامةً لحضور الله في هذا العالم.
في كتاب أعمال الرّسل، نقرأ أنّ النّاس كانوا يعرفون المسيحيّين من خلال محبتِهم لبعضِهم البعض، هذه هي المشاركة الحقيقيّة الّتي نحن مدعوّون لها.
إنّ محبّتَنا لبعضِنا البعض عليها أن تدفعنا كي نقفَ جنبًا إلى جنب. إنّ الوقوف جنبًا إلى جنب مع الآخر، لا يعني أبدًا أن نناصرَه ظالماً كان أم مظلومًا، بل علينا أن نُشيرَ إلى أنّ الآخر قد ارتكب خطأً إن فعل، فنحن لا نستطيع إنكارَ الحقيقة وإخفاءها أو تغييرها. لكن يجب أن نقفَ مع الآخر من أجل الاستمرارِ في السير معًا للوصول إلى الحقيقةِ الّتي هي يسوع المسيح، الّذي تجسّدَ، وعاشَ حياتَنا، وكان نبيًا مقتدرًا بالقول والفعل، صُلِبَ وقام من بين الأموات، ومَنَحنا حياةً أبديةً.
في الانجيل الّتي تُليَ اليوم على مسامعنا، نجد فعلَ محبةٍ كبير من قِبَل الله إذ يعطي الانسان قيمةً كبيرةً جدًّا. في هذا النّصّ الإنجيليّ، نقرأ عن اليهود الّذين أرادوا إحراج يسوع من خلال أسئلتِهم فيما يختّص بنهار السبت، وبالتّحديد فيما يختّص بشفاءِ الرّجل ذي اليدِ اليابسة. فكان جوابُ يسوع بسؤالهم عن إن كان يجوز تخليص خروفٍ وحيدٍ لصاحبه إن وقع في البئر نهار السبت، فأحرجَهم بسؤاله هذا عوض أن يُحرجوه.
فإن كان يجب تخليص الخروف الّذي وقع في البئر نهار السبت، فكم بالأحرى حال الرّجل المريض يوم السبت!! فإن الإنسان الّذي تملك فيه الخطيئةُ، ألا يجب مساعدته كي يتخطّى تلك الأزمة؟ إن كان الإنسان محزونًا، ألا يجب أن نواسيه كي يخرجَ من حزنه، ولو وقع ذلك، نهار السبت؟!! ألا يجبُ مساعدةَ الإنسان الّذي يعاني من أزمةٍ، ألا يجبُ أن نأتيَ لنجدتِه ومساعدته؟!!
إذًا، إنّ يسوع يعطي قيمةً كبيرةً للإنسان كي يجعلَنا نُدرك أنّ الله الّذي تجسّد بين البشر وأخذ طبيعتنا البشريّة، يريد أن يرفعَنا فنصِل إليه، ونُصبح قدّيسين. هذه هي دعوتُنا الحقيقيّة والأساسيّة في الحياة.
في ذبيحتِنا الإلهيّة هذا المساء المبارك، نرفع صلاتَنا من أجل إخوتِنا المرضى، كي يمنحَهم الرّبّ نعمةَ الشِّفاء، كما نصلّي من أجل جماعتِنا المسيحيّة كي تكون متّحدةً مع بعضِها البعض بالمحبةِ وعملِ الخير. نصلّي لكَ يا ربّ، من أجل الّذين سبقونا لملاقاتِك، من أهلٍ وأقاربٍ وأحبّاء، وقد قمنا وإيّاهم بمسيرةٍ على هذه الأرض، أمّا الآن، فقد أصبحوا في قلبِك، كي يشرقَ نورُ وجهك عليهم جميعًا. يا ربّ، أعطنا، بعد أن نُكمِل مسيرتَنا على هذه الأرض، أن نلتقيَ يومًا ما، جميعنا بِكَ، حتّى نسبِّحَك ونمجِّدَك أيّها الآب والابن والرّوح القدس، إلى الأبد. آمين.
ملاحظة: دُوِّنت العظة بأمانةٍ من قِبلنا.