انطلاقة “أذكرني في ملكوتك”،

كنيسة مار فوقا وعبدا – بعبدا، جبل لبنان.

 عِظة القدّاس الإلهيّ للخوري فادي سركيس، خادم الرعيّة:
“يا مارّاً من على قبري، تذكّر، بالأمس كنت مثلك، وغداً تصبح مثلي”،
 
هكذا استُهِلّت العظة، في يوم احتفال الكنيسة بعيد “القدّيس يوسف”، واعتلاء البابا فرنسيس الأوّل كرسي بطرس بروما، بدعوة إلى الصّلاة من أجل البابا الجديد، ليُثبّت الله خطاه، ويعطيه القوّة والحكمة والنّعمة ليكون شاهداً حقيقيّاً للمسيح، وهو بابا، كما كان وهو أسقف في الأرجنتين. واللاّفت في البابا فرنسيس محبّته الكبيرة وعنايته بالكبار كما بالصّغار، بالعميان، بالفقراء، إذ إنّه التقى في طريقه إلى قدّاس الاحتفال الرّسمي به بابا للكنيسة، بأحد الفقراء الذي صرخ له فرِحاً به، على مثال أعمى أريحا فسارع البابا إلى إيقاف السّائق، وأسرع إلى الرّجل ليسلّم عليه. وقد كتبت إحدى الصّحف عن هذه البادرة وغيرها، أنّ البابا فرنسيس يمثّل فضيلة المحبّة في الكنيسة، كما مثّل البابا بندكتوس السّادس عشر فضيلة الإيمان والعقيدة، وسبقهما البابا يوحنّا بولس الثّاني مُمَثِّلاً فضيلة الرّجاء؛ وهكذا يكون هذا المثلّث البابوي قد جمع بين أسمى فضائل الكنيسة على أمل أن يتمثّل بهم كلّ رعاة الكنائس في كلّ العالم.
 
وها نحن ننطلق في هذا المساء المبارك، معكم في هذه الرّعيّة، برسالة جديدة، رسالة : “اذكرني في ملكوتك”، وتكمن أهميّتها، في تسليط الضّوء على أهميّة الصّلاة من أجل الرّاقدين على رجاء القيامة والتّأمّل فيها. فلكلّ منّا موتى، وجميعنا نتساءل عن طريقة التّواصل بهم، ما بعد الموت، والدّفن، وبعد إقفال باب القبر عليهم، وانفصالهم عنّا. إلاّ أنّنا بإيماننا بالقيامة، وبعدم انتهاء الحياة بعد الموت، وباستمرارها خارج هذا العالم الدّنيويّ، الزّمنيّ، المعدود الأيام والسّاعات، نلتقي بهم روحيّاً بالصّلاة، وإقامة القداديس لأجلهم. فالحياة لا تنتهي بالموت، بل تستمرّ أبديّة، بمعرفة الله، وسكناه فينا، وسُكنانا فيه، وببقائه معنا إلى انقضاء الدّهر، فهو “عمّانؤيل” أي “الله معنا”، في الحياة الأرضيّة والأبديّة. من هنا وجود الكنيسة لتذكيرنا بحضور الرّب بيننا بعلامَتي الخبز والخمر، تماماً كحضور المسيح بين التّلاميذ بالخبز الذي كسره معهم والخمر الذي شربه وإيّاهم، عندما التقاهم بعدما مات وقام، مُضعضعِين- خائفين- شأنهم في ذلك الزّمان، شأننا في كلّ زمان- وطمأنهم إلى حقيقة القيامة، وبقائه معهم دائماً.
 
أمّا القدّيس يوسف، شفيع الميتة الصّالحة، السّاكن دائماً، الخاشع، الصّامت، المختفي، الحاضر أبداً ليوم اللقاء والقيامة، فيذكّرنا بأنّنا جميعاً إلى نهاية أرضيّة، وأنّه علينا أن نستعدّ بأعمال الرّحمة والمحبّة وبالخدمة، للقاء الرّب. فأهمّ الصلوات هي تلك التي نقدّمها من أجل موتانا، وشراكة القدّيسين في الذّبيحة الإلهيّة، لأنّ القدّاس هو ظهور الرّب بذاته بيننا. فعلينا أن نكفّ عن التّلهّي بالأمور المُشتِّتة، وأن نتّحد بالله بالفكر والقلب والرّوح، بتناولنا القربان المقدّس، أي جسده ودمه، علامة حبّه اللاّمتناهي لنا، ومصدر الخلاص، والطّمأنينة والسّلام في هذا العالم، فتتحوّل نظرتنا إلى الموت، من نظرة نهاية، ويأس، إلى نظرة بداية وفرح بالانتقال، رجاء بيسوع المسيح القائم من الموت.

ملاحظة : دوّنت العظة بأمانةٍ من قبلنا.

Instagram
Copy link
URL has been copied successfully!
WhatsApp