انطلاقة جماعة “أذكرني في ملكوتك”،
كنيسة مار أنطونيوس الكبير – بسكنتا، المتن.
عِظة القدّاس الإلهيّ للخوري بطرس أبي خليل، خادم الرعيّة:
باسم الآب والابن والروح القدس، الإله واحد، آمين.
نرحّب بجماعة “أذكرني في ملكوتك” وهي جماعة روحيّة، رسوليّة، مسكونية تشهد لكلمة الله وخصوصاً “أنا القيامة والحياة” ( يو 25:11)، مبادؤها أساسيّة. وفي نهاية الذّبيحة ستلقي الجماعة كلمة تشرح تأسيسها ونشأتها ونشاطاتها….
المبدأ الأوّل هو الشّهادة والّتي تكون في تقدمة الإفخارستيّا من أجل الإخوة الرّاقدين في الرّعايا كلّها. كما لاحظتم وأنتم تدخلون الكنيسة، لقد دوّنتم أسماء أمواتكم في سِجلّ خاصٍ.
المبدأ الثّاني هو تغذية إيماننا من خلال ترسيخ الكتاب المقدّس وتنشئة أبناء كنيستنا على تعاليمها وإيمانها بالحياة الأبديّة.
المبدأ الثّالث هو إقامة أعمال الرّحمة وعيش الفضائل الإلهيّة من أجل البقاء دائماً في حياة النعمة.
واليوم، سنقدّم هذا القدّاس على نيّة كلّ أمواتنا وخصوصاً المذكورة أسماؤهم في سّجل ” اذكرني في ملكوتك” الّذي سيبقى في الكنيسة، كذلك أيقونة القيامة. ونحن أبناء القيامة نحتاج إلى أن نذكر أمواتنا كما نحضّر أنفسنا إلى أنّنا سنقوم في يوم القيامة كما قام المسيح.
سنتأمّل في نصّ الإنجيل الّذي سمعناه. يعرض لنا متّى في إنجيله ثلاثة مواقف. الموقف الأوّل هو موقف الفريسيّين عندما اجتمعوا معاً وتناقشوا من أجل إهلاك يسوع والتّخلّص منه فقرّروا اعتماد طريقة العنف.
الموقف الثّاني هو الجموع الّتي كانت تلاحق يسوع، أوّلاً، كي يشفي مرضاهم وثانياً، لأنّه كان يصنع المعجزات وهؤلاء اعتنقوا منطق المصلحة.
في الموقف الثّالث، نرى أنّ منطق الله مختلف تماماً عن منطق البشر. الله الآب يصنع بذاته المنطق الإلهيّ، وهو منطق لا يتوافق أبداً مع منطق الفريسيّين ومنطق الشّعب إنّما هو منطق يقوم على نبذ العنف واعتناق مبدأ السّلام والمحبّة والخدمة والصّمت. وكم أنّ الإنسان بحاجة إلى أن يصمت كي يعرف مشيئة الله.
إذا توسّعنا في هذه النّقاط الثلاث نرى، أوّلاً، أنّ الفريسيّين قرّروا قتل يسوع لأنّه صنع معجزةً يوم السّبت وهي شفاء شخص مشلول اليد لم يعد مجبراً على مدّ يده إلى النّاس ليطلب المساعدة بل أصبح بإمكانه أن يعمل ويكسب رزقه بعرق جبينه. يسوع لم يشفه فقط بل حرّره من كلّ أشكال الاستعباد الّتي كان النّاس يمارسونها. وكم من أشخاص يستعبدوننا في أمور خاصة، هم لا يساعدوننا، بل يمنعوننا من الوصول إلى النّضج الإنسانيّ والفكريّ، ومن العيش بسلام مع بعضنا البعض، ومن عيش حياتنا الرّوحيّة بسلام.
منطق الإنجيل، اليوم، معاكس لمنطق مجتمعنا الحاضر، يُبشّر العالم بالسّلطة والقوّة والحرب والعنف ويستغلّ حتّى الفقراء من أجل مصالحه الشّخصيّة في حين أنّ رسالة الإنجيل مغايرة لكلّ هذا.
قِيم المسيحيّ هي الحبّ الصّامت والعامل، وإعلان ضرورة الحبّ في قلب المجتمع المبنيّ دائماً على الحقد والأنانية والمصالح الشّخصيّة.
تبعت الجموع يسوع وتركت الفريسيّين يضعون الخطط لقتله، فقد سئمتْ هذه الجموع من الاستعباد وتعِبَتْ من تسوّل الخبز الفاني ومن وعود الأقوياء الفارغة، فلحقتْ بيسوع باحثةً عن سعادة القلب والفرح الحقيقيّ والسّلام الدّاخليّ، وقد عرفتْ هذه الجموع أنّ يسوع وحده قادرٌ على وضع الرّجاء في القلوب ومنح السّعادة الّتي تنمو وتكبر وتستمرّ…
حقيقة المسيح وحده أعلنها الله، وهي أنّ المسيح ليس مقاتلاً أو محارباً أو آتيًا كي يُبيد الأشرار وأعداء الله على الأرض بل على العكس، المسيح هو الخادم الأمين الّذي وضع كلّ كيانه في خدمة مشروع الله الخلاصيّ “كالحمل سيق إلى الذّبح ولم يفتح فمه” (أش 53)، المسيح هو الكائن المسالم الّذي جاء ليُغيّر حالة الكون كلّها بهدوء الحبّ وتمنّي المغفرة ولِيُعلن خلاص العالم الّذي يكمن في روح السّلام والخدمة والمحبّة لا في العنف. وكلامه على الصّليب يؤكّد ذلك: “يا أبتاه اغفر لهم لأنّهم لا يدرون ماذا يفعلون” (لو 43:23)، كما أنّه غفر للّصّ من دون أن يلومه وفي اللّحظة الأخيرة قال له: “اليوم تكون معي في الفردوس”.
واليوم، كلّنا نعيش على وعد، بحسب قول قداسة البابا فرنسيس في رسالته الأخيرة لنا، كي نفكّر في مسار حياتنا وننظر إلى يسوع صارخين من أعماق قلوبنا: اُذكرني يا يسوع وأنتَ الآن في ملكوتك لأنّني أريد أن أصبح صالِحاً لكن أنا ضعيف وأنتَ وحدك قادرٌ على ذلك لأنّك أنتَ المحور وساكِن الملكوت.
نعم إخوتي، اليوم، نحن نذكر أمواتنا ونطلب الى الرّبّ أن يمنحهم الرّاحة والسّعادة في ملكوته السّماويّ فنحن أبناء الإيمان والرّجاء ونثق بأنّ نعمة الله تفوق الصّلاة وطلباتنا الّتي نقدّمها إليه، فهو الأب الكريم، الرّحوم، الغفور، المحبّ للبشر، ويسوع يذكرنا دومًا في انجيله بقوله: “أنا ما ارتفعتُ، جذبتُ إليّ النّاس .أجمعين”(يو 32:12). المسيح قام، حقا قام
ملاحظة: دُوّنت العظة بأمانةٍ من قبلنا.