انطلاقة “أذكرني في ملكوتك”،
كنيسة مار جرجس – غوايا، القبيات، عكار.
عِظة القدّاس الإلهيّ للخوري لويس سعد، خادم الرعيّة:
“إنجيل لعازر والغني” (لو 19:16-31)
باسم الآب والابن والروح القدس، الإله الواحد، آمين
تَذكارٌ مُبارَكٌ للجميع، إخوتي، كلمةٌ واحدةٌ أجاب بها إبراهيم الغنيّ، حين ناداه: “تَذَكَّر”؛ والكلمة الأخيرة الّـتي تلفَّظ بها الإنسان الأقرب إلى يسوع على الصّليب، قبل الموت والقيامة، أي لصّ اليمين، كانت: “أُذكرني يا ربّ، مَتى أَتَيتَ في ملكوتِك” (لو 42:23). لم يَتَذكَّر الغنيّ معاملَته للعازر الفقير الّذي كان مطروحًا على باب بيته، ولكنَّه تَذكَّر إخوته ومسيرتهم في هذه الأرض. وبالتّالي، حين يكون الإنسانُ غريبًا وبعيدًا عن كلمة الله، لا يمكنه أنْ يَتذكّر أحبّائه، لا الأحياء في هذه الأرض، ولا المنتقِلِين من بيننا إلى السَّماء؛ أمّا حين يكون الإنسان قريبًا من كلمة الله، فإنّه يشعر بارتِباطِه بإخوته الأحياء في هذه الأرض الفانية، وكذلك إخوتهم المنتقِلِين من بيننا. إذًا، الإنسان هو الّذي يُقرِّر ما إذا كان يريد أن يكون في ارتباطٍ مع أحبّائه وتَذَكُّرِهم، أو قَطع كلّ علاقةٍ معهم ونسيانِهم.
يُخبرنا هذا النَّص الإنجيليّ أنَّ الربّ يكلِّمنا، أوّلاً بموسى، أي من خلال الشريعة، وثانيًا من خلال الأنبياء أي من خلال الّذين يُعلنِون كلمة الله لنا. في الذبيحة الإلهيّة، يتجلّى لنا ملكوت الله المنظور وغير المنظور، غير أنّ ملكوت الله هو منظورٌ على الدَّوام مِن قِبل المؤمِنِين به، إمّا بِعَين الجسد، فنرى إخوتنا في هذه الأرض؛ وإمّا بِعَين الإيمان، فنَذكُر أمواتنا ونصلِّي لهم. قبل موت المسيح وقيامته، كُنَّا نراه في الجسد، أمّا بعد صعوده إلى السّماء، فلم نَعُد قادِرين على رؤيته إلّا من خلال عيون الإيمان. في الذبيحة الإلهيّة، نحن نَذكُر أمواتنا الّذين انتقلوا من هذا العالم، وهم يتشفَّعون لنا. إنَّ انقطاعَنا عن ذِكر المنتقِلِين مِن بيننا، على الرُّغم من شفاعتِهم لنا، يساهم في بقاء هُوَّة كبيرة بيننا وبينهم، تلك الـهُوَّة الّتـي تكلَّم عنها إبراهيم في إنجيل اليوم، وهذا ما يمنعنا مِن التحوُّل إلى طبيعتهم السّماويّة، وهذا ما يقوله أحد الآباء: إنّ القداسة تتطلَّب تحوُّلاً في المؤمِنين ليُحوِّلهم الربّ إلى جسده ودَمه المقدَّسَين، قربانًا مقبولاً للربّ. إنَّ الّذي لا يُحبّ إخوته في هذه الأرض، لن يتمكَّن من عيش الحبّ في الملكوت، وبالتّالي ستثبت الهوَّة بينه وبينهم. هذا ما حدث مع الغنيّ في الإنجيل، إذ وَجَد نفسه غير قادر على اجتياز الهوَّة، حتّى ولو أراد إبراهيم مساعدته في ذلك، لأنّ مَن لم يختبر الحبّ في هذه الأرض، لا يمكنه اختباره في الحياة الثانية.
إذًا، على المؤمِن الّذي يريد إلغاء هذه الهوَّة بينه وبين أحبّائه، أن يسعى إلى تَذَكُّر جميع أحبّائه الأرضِيِّن: فإنْ كان بينه وبينهم من خصوماتٍ، فليسعَ إلى حلِّها، وليسعَ إلى ذِكرهم في الذبيحة الإلهيّة أمام الربّ. كما على المؤمِن أن يتذكَّر أحبّاءه المنتقِلين من بيننا، الّذين كان لهم فضلٌ عليه في هذه الحياة، وفي إيمانه بالله، فعلَّموه وخَدَموه ودَفَعوه إلى التعلُّق بأرضِه وقَريَته. للربّ المجد في كلّ واحدٍ وواحدةٍ منّا، وفي جماعة “أذكرني في ملكوتك”، الحاضرة معنا اليوم، فنَذكُر أحبّاءنا الأحياء والأموات، طالِبِين من الربّ أن يذَكرنا في ملكوته حين ننتقل من هذا العالم. آمين.
ملاحظة: دوِّنت العظة بأمانةٍ مِن قِبَلِنا.