انطلاقة “أذكرني في ملكوتك”،
كنيسة مار نوهرا – عينطورة، المتن.
عِظة القدّاس الإلهيّ “الرّجاء في الألم” للأب مروان سلامه، خادم الرعيّة:
باسم الآب والابن والروح القدس، الإله الواحد، آمين
بِاسم رعيَتَّي مار نوهرا وكنيسة السّيدة، وَبِاسمي الشَّخصي، نُرَّحِب بجماعة “أُذكرني في ملكوتك”. أهلاً وسهلاً بِكُم. إخوتي، بعد الانتهاء مِن القدَّاس، سيَكون لدينا لقاءٌ مع هذه الجماعة في صالون الرّعيّة، حيثُ سيُعرَض فيلمٌ يُخبرنا عن هويّة الجماعة وعن نشأتِها. لقد تأسَّستْ هذه الجماعة على مُصيبةٍ؛ ونحن أيضًا ككنيسة، تأسَّسنا على مُصيبة، وهي صليب يسوع، أي موته وقيامته. مِن خلال الآمِه وموتِه على الصّليب وقيامته من بين الأموات، زرَعَ يسوع في المؤمنِين به الرَّجاء. ومِن هنا، تَظهر أهميّة الفضائل المسيحيّة الثّلاثة، وهي الإيمان والرَّجاء والمحبّة. إنّ إيماني بالربّ هو في صَيرورةٍ دائمة في هذا التَّاريخ البشريّ، وهو يَحمل الرَّجاء، على الرُّغم مِن كلّ المصائب الّتي نُواجِهُها في حياتِنا. إنّنا كمؤمِنِين نَعيشُ الرَّجاء الّذي زرعَه الربّ يسوع في قلب حياتنا، فتُزهر فيها المحبّة. إنّ المحبّة تنمو فينا نتيجة الإيمان والرّجاء، فالمحبّة تُكلِّل وتُتَوِّج الفضائل المسيحيّة الثّلاثة. إذًا، بعد القدَّاس سوف نتعرَّف على هذه الجماعة، ونتعرَّف اختبارها للرَّجاء المسيحيّ.
كذلك، إخوتي، سنتعرَّف على اختبار ثانٍ للرَّجاء، مِن خلال أشخاص كَتَب عنهم الكِتاب المقدَّس، واجهوا المصائبَ في حياتهم وقد تمكنّوا مِن التغلّب عليها بِرَجائهم بالربّ. قَبْل بداية القُدَّاس، كنتُ أتأمَّل في الشَّمس الموضوعة على المذبح وفي صُلبِها يسوع المسيح. إخوتي، إنّ هذه الشَّمس تُجسِّد الدَّورة الطقسيّة للكنيسة، وفيها نَسمعُ في كلّ أحدٍ، أَكانَ مِن خلال قراءات العهد القديم أو الرَّسائل أو الإنجيل، قصّةَ شخصٍ عاش الرَّجاء لَيس فقط مِن خلال التَّعليم، إنّما أيضًا مِن خلال عَيشِه المسيرة الإيمانيّة مع يسوع، كَزَكريّا ومريم وأليصابات وغَيرهم كُثُر. إنّنا نتأمَّلُ في قِصَصِهم، على الرُّغم مِن أنّهم أصبحوا أمواتًا في هذه الأرض، غَير أنّهم ينتظرونَنا في المجد الأبديّ.
سنتأمّلُ اليوم في قصّة القدِّيسة جوزفين باخيتا الّتي كَتَبَ عنها في رسالته عن الرَّجاء، البابا بِنِديكتوس السّادس عشر الّذي نَطلُب بركاتِه مِن السّماوات. إخوتي، في هذه الرِّسالة، يقول لنا البابا بنديكتوس السّادس عشر، إنّنا ننال الخلاص مِن خلال الرَّجاء الّذي حصَلْنا عليه في المسيح يسوع. إنّ القدِّيسة جوزفين باخيتا الّتي أَعلنَ قداسَتَها البابا يوحنا بولس الثاني، قد وُلِدت في دارفور سنة 1869 تقريبًا، وهي لم تَكُن تَعرِفُ تاريخها الشَّخصي. في التّاسعة من عمرها، اختَطَفَها تُجّارُ العبيد، الّذين ضربوها وأدموها، ثُمَّ باعوها خمسَ مرّات، في سوق النَّخاسة السُّودانيّة. وأخيرًا كعبدة، وجَدَتْ القدِّيسة جوزفين باخيتا ذاتَها في خدمةِ والدة قائد الجيش السُّودانيّ وعائلته؛ وقد كانت تُضرَب من قِبَلِهم كلَّ يومٍ، حتّى يَتَفجَّر الدَّم مِن عروقها. وقد نَتَج عن هذا الضرب، أن ترسَّخت آثارُ الضَّرب في جسدِها طيلة حياتها، وقد بلغ عددها 144 ضربة. سنة 1882، بِيعَتْ القدِّيسة مجدَّدًا إلى تاجرٍ إيطاليّ، سلَّمها إلى قُنصُلٍ في إيطاليا. في ظِلّ الأجواء المسيحيّة في إيطاليا، تعرَّفَتْ على مَلِكٍ جديد، هو يسوع المسيح. كانت هذه القدِّيسة قد تَعرَّفت طيلة حياتِها على أسيادٍ يَضربونها حتّى علَّمَتْ آثارُ ضربِهم الـمُبرِح في جسدها، وأصبحَتْ تَحمِلُ آثارَ شرّ الإنسان في جروحاتها. إنّ يسوع المسيح، هو سيِّدٌ مُغاير عن كلِّ أسياد هذا العالَم الّذين تعرَّفَتْ عليهم القدِّيسة في حياتها. في مدينة البُندقيّة الإيطاليّة حيث كانت تَسكُن، كانت تُنادي الربَّ يسوع المسيح سيِّدي وإلهي.
أحبّائي، في اختبارِ الانتقال مِن سيِّدٍ إلى سيِّدٍ آخر، تَمكَّنَتْ القدِّيسة جوزفين باخيتا، مِن عيش الرَّجاء، عندما آمَنَت بيَسوع المسيح. على الرُّغم من الجروحات الّتي كانت موجودة في جسدها، والّـتي كانت تُذَكِّرها بماضيها، تمكَّنَتْ القدِّيسة مِن عيش الرَّجاء. لقد عاشَتْ الرَّجاء عندما تعرَّفَتْ على يسوع المسيح، السَّيِّد الصّالح، هذا السِّيّد الّذي سار أمامها على هذه الدَّرب، وعانى مِن الآلام والجروحات قَبْل أن يموت على الصّليب. لقد حَمَلَ الربُّ يسوع جروحاتَه إلى السَّماء، وكان يُظهرَها للرُّسل في كلِّ ظهورٍ له بعد القيامة، خصوصًا للرَّسول توما. لقد تعرَّفَتْ هذه القدِّيسة على جروحات الربّ يسوع، ووَجَدَتْ حياتَه مشابهةً لحياتها. لذلك، تمكَّنَتْ مِن عيش الفضائل المسيحيّة في حياتها: الإيمان والرَّجاء والمحبّة. تَكرَّسَتْ في إحدى الرُّهبانيّات، وعاشَتْ طيلة حياتها تُبشِّر مِن خلال اختبارها.
في هذا القدَّاس، أَردتُ أن أربط حياة هذه القدِّيسة بجماعة “أذكرني في ملكوتك، إذ إنّ هذه الجماعة قد بُنِيَت على الرَّجاء، المنبَثِق من الألم والموت. إنّ حياة هذه القدِّيسة هي عِبرةٌ لحياتنا، لأنَّها تُعلِّمنا كيف نَعيش البُعد الرُّوحيّ لإيماننا ورجائنا بالربّ في قلب الألم والوَجع: فعلى الرُّغم مِن أنّنا لم نَعُد في زمن العبوديّة الّتي عاشَتْ فيه القدِّيسة، حيث يَترُك الضَّرب أثارًا على أجسادنا، إلّا أنّنا نستطيع أن نعيش في حياتنا اليوميّة الإيمان والرَّجاء مِن دون أن ننسى أن نربطَهما بِالحُبّ الّذي أُفيضَ على الصّليب مِن أجلنا والّذي نحتفل به في هذا القدَّاس. فعلى هذا الرَّجاء، نَذكُر في قدَّاسنا اليوم أمواتَنا، طالِبين مِن الربّ أن يكون قدَّاسُنا مقبولاً لديه. آمين.
ملاحظة: دُوِّنت العِظة ِبأمانةٍ مِن قِبَلِنا.