انطلاقة “أذكرني في ملكوتك”،

كنيسة مار يوحنّا – حوش الزراعنة، زحلة، البقاع.

 عِظة القدّاس الإلهيّ للأب فادي بركيل ، خادم الرعيّة:

باسمِ الآبِ والابنِ والرُّوحِ القُدُسِ الإلهُ الواحدُ، آمين.

إنَّ هذا القدَّاس يا اخوتي هو اللِّقاءُ الأوَّلُ لنا معَ جماعةِ “اذكُرني في ملكوتِكَ”، هذهِ الجماعةُ المسيحيَّةُ المؤمنةُ الرَّسوليَّةُ، واليومَ قد أتَى أفرادُها من مناطقَ عدَّة لمباركَتِنا، من بيروتَ وجبلِ لبنانَ وجبيلَ وطرابلسَ – فهم جماعةٌ مسكونيَّةٌ بكلِّ ما لكلمةِ مسكونيَّةٍ من معنىً- ولمشاركَتِنا بالذَّبيحةِ الإلهيَّةِ والقدَّاسِ لأجلِ راحةِ نفوسِ موتانا. وهذا دليلٌ قاطعٌ على أنَّ ذكرَ أمواتِنا القاطنينَ عندَ اللهِ والصَّلاةَ لأجلهم هو واجبٌ على كلِّ إنسانٍ مسيحيٍّ، إذ لا يجبُ أن ننسى الصَّلاةَ لأجلِ إنسانٍ ماتَ واستحالَ جسدُهُ تُراباً. الصَّلاةُ لهُ واجبٌ علينا لأنَّ الرُّوحَ سترجعُ إلى اللهِ الخالقِ، ومتى عادَتْ إليهِ ستكونُ بحاجةٍ إلى اتِّصالٍ أكبرَ مَعَهُ. فعلى سبيلِ المثالِ، إنْ ماتَ إنسانٌ وكانَ شرِّيراً في حياتِهِ، ولم يلحظِ اللهُ وجودَ جماعةٍ حولَهُ تُصلِّي لأجلِه، قد تحيا نفسُهُ في الشَّقاءِ. ولكن إنْ رأى اللهُ أنَّ لهذهِ النفسَ، بالرَّغمِ من كلَّ ما ارتكبَتهُ من خطيئةٍ على الأرضِ، جماعةٌ كبيرةٌ تذكرُها في صلاتِها، قد يشفقُ الله عليها ويتحنَّن.

استمعتُم اليومَ إلى نصٍّ إنجيليٍّ هو مثلُ “الغنيِّ ولعازرَ”، والذي أعتقدُ أنَّ هذهِ الجماعةَ قد انطلقَت منهُ، بعد واقعِ رحيل أليمٍ في سرِّ الموتِ، فالفقدانُ صعبٌ جدَّاً، ولكن عندما يتأمَّلُ الإنسانُ في الإنجيلِ وبكلِّ كلمةٍ مكتوبةٍ، يشعرُ أنَّ اللهَ حاضرٌ معهُ في وقتِ الموتِ وَالألمِ وَالشِّدَّةِ. فاللهُ لا يتخلَّى عنَّا، وهذا ما ستشرَحُهُ لنا الأختُ جانيت الهبر بعد فقدانِ زوجها وتخبرُنا كيفَ نشأت هذهِ الجماعة الرَّسوليَّةُ، وأين تخدمُ، وكيفَ انطَلقَت إلى العالمِ أجمع. وبحسبِ ما علمتُ، فإنَّ هذهِ الجماعة قدِ انتشرَت في واحدٍ وأربعينَ رعيَّةً. وبما أننَّا نحنُ أيضاً قد تلقَّيْنا البشارةَ، باتَ من الواجبِ علينا أن ننقُلَها. في الحقيقةِ قدِ اتَّخذنا قرَارنا خلالَ فترةٍ قصيرةٍ جدَّاً، ولم يتسنَّ لنا الوقتُ الكافي لكي نُعلِنَهُ بشكلٍ موسَّعٍ، ولكن منذُ الآن قد باتَ دوري ودورُكُم أن ندركَ أنَّ السَّبتَ الأوَّلَ من كلِّ شهرٍ أصبحَ مقدَّساً ومخصَّصاً لتذكارِ أمواتِنا، في رعيَّتنا مار يوحنَّا-حوشُ الزَّراعِنَة، سواءَ كانَ الأبُ فادي موجوداً، أو أيٌّ من الكهنةِ الذين قد يتواجدُونَ بعدَ التَّشكيلاتِ الكهنوتيَّةِ الجديدةِ.
بحسبِ السَّنةِ الطَّقسيَّةِ، نحنُ نذكرُ أمواتَنا في سبتَيْن كلَّ عامٍ ولكنَّ هذا لا يعني أنَّنا نتذكَّرُهُم فقط في هذَيْن السَّبتَيْن. نحن نذكرُهم في كلِّ ذبيحةٍ إلهيَّةٍ، ولكنَّنا منذُ اليومَ وعلى مدارِ العامِ سنسعى لكي نُشعِرَهُم بأنَّنا على اتِّصالٍ دائمٍ معَهم، بإقامَتِنا لهذا القدَّاسِ.

يا إخوتي إنَّ هذا القدَّاسَ، والتَّقدماتِ التي يقدِّمُها النَّاسُ بالإضافة إلى تبرُّعاتِكُم التي سنجمعُها اليوم، جميعها ستكونُ مساهمةً منكُم، وعربونَ حبٍّ لأجلِ راحةِ نفوسِ أمواتِنا، من خلالِ الاهتمامِ بعائلةٍ أو أكثرَ من العائلاتِ الموجودةِ في رعيَّتِنا أو ضمنَ إطارِ زحلة. لن يذهبَ أيٌّ منها إلى الجماعةِ أو الدَّيرِ أو الكنيسة.
سمعنَا في الإنجيلِ أنَّ لعازرَ قد ماتَ “فرافقَتْهُ الملائكةُ إلى السَّماءِ”، أمَّا الغنيُّ “فدُفِنَ”. وهنا يركِّزُ يسوعُ على إيصالِ رسالةٍ مهمَّةٍ جدَّاً لنا؛ يُرسِلُ اللهُ ملائِكَتَهُ لتنقُلَ الإنسانَ المؤمنَ التَّقيَّ، وروحُهُ لا تبقى وحيدةً، بينما الإنسانُ المتشبِّثُ بالأرضِ دونَ أن يُعيرَ أُخوتَهُ الأرضيِّينَ اهتماماً، يتخلَّى اللهُ عنهُ في وقتٍ من الأوقاتِ، و”يُدفَنُ” بدونِ ذكرٍ. نلاحظُ حتَّى أنّ اسمَ الغنيِّ لم يُذكَرْ في المثَل، في حين سُمِّيَ الفقيرُ “لعازَرَ” ومعناهُ “اللهُ تحنَّنَ”، أي أنَّ اللهَ أشفقَ علينا وهكذا سيُشفِقُ أيضاً على أمواتِنا. ويُخبِرُنا الإنجيلُ أنَّهُ عندَ وُصولِ الاثنينِ فَرِحَ لعازرُ في حينِ بدأَ الغنيُّ يتعذَّب. وهنا مقارنةٌ رائعةٌ جدَّاً، وكأنَّ يسوعَ يخبرُنا بأنَّ ما نعيشُهُ على الأرضِ نحصُدُهُ في السَّماءِ. إن عشنا الفرحَ والسَّلامَ ومساعدةَ الآخرين وحبَّهُم ونشرَ كلمةِ الرَّبِّ، ستكونُ أبوابُ السَّماءِ مفتوحةٌ لنا على غرارِ لعازرَ. ولكن من ينسَ يسوعَ وينكرهُ كذلكَ ينكرُهُ يسوعُ أيضاً؛ “من ينكرُني قُدَّامَ النَّاسِ أُنكرُهُ أيضاً أمامَ أبي في السَّماوات”. فدَورُنا نحنُ أنْ نبشِّرَ بهذهِ الكلمةِ، والغنيُّ عندما جابَهَ المرارةَ والصُّعوباتِ التي تكمنُ في البعدِ عنِ اللهِ – فجهنَّمُ ليسَت ناراً يُشعِلُها اللهُ ليحرِقَ الخاطئِينَ، بل هيَ البُعدُ عنهُ في حينِ أنَّ الجنَّةَ هي الحياةُ معَهُ- صرخَ راجياً أبانا ابراهيمَ أن يُرسِلَ لعازرَ ليوضِحَ للنَّاسِ ويخبرَهم ماذا حلَّ به، لعلَّ أخوَتَهُ يعتبرونَ. فكانَ الجوابُ بأنَّ لديهم موسى والأنبياءُ، لديهمُ الإنجيلُ كلمةُ اللهِ، التي ينالُ من يحيا بموجَبِها الفرحَ الإلهيَّ.

عندما يحيا الإنسانُ معَ اللهِ يحيا بفرحٍ، وعندما يبتعدُ عنهُ يعيشُ بقلقٍ، كما حصلَ مع آدمَ وحوَّاءَ. إذ كانوا يحيَيونَ مع اللهِ وجهاً لوجهٍ سعداءَ جدَّاً، لكن عندما سمعوا كلامَ الشَّيطانِ وابتعدوا عنِ اللهِ اكتشفُوا عُريَهُم، وراحوا يختبؤون من اللهِ، فسألَهم: لمَ اختبأتُم؟
هذا وقدِ اعتدْنا أيضاً أن نقولَ إنَّ الموتَ هو بدايةُ حياةٍ جديدةٍ معَ اللهِ، ولكنَّنا نحنُ البشرُ نحزنُ عندَ موتِ أحدِنا، ويسوعُ الإنسانُ حزنَ لموتِ صديقِهِ لعازرَ، ومن لا يشعرُ معَ الآخرين، لا يشعرونَ هم بدورِهِم معَهُ. فعندما نفقدُ شخصاً عزيزاً من حقِّنا أن نحزنَ ونبكي، ولكن دونَ أن نفقدَ إيمانَنا، لأنَّنا نؤمنُ بيسوعَ “القائمِ منَ القبرِ” والذي أعطانا رحمتَهُ بهذا الشَّكلِ، وأعلَمَنا أنَّ أجسادَنا ستكونُ على مثالِ جسدهِ القائمِ، لذلكَ لا خوفَ من الموتِ “أينَ شوكتُكَ يا موتُ وأينَ غلبتُك يا جحيمُ.. قامَ المسيحُ”. وَآباؤنا القدِّيسون جميعُهم طلبوا الموتَ، لأنَّ لحظةَ الموتِ هي لحظةُ اللِّقاءِ بيسوعَ المسيحِ، لحظةُ الفرحِ الأعظمِ.كأبٍ عادَ ابنهُ من السَّفرِ كذلكَ يحتضِنُنا يسوعُ بفرحٍ. فهو يرسلُ نفساً إلى هذه الأرضِ ويمنحُها عمراً وينتظرُ احتضانَها مجدَّداً مباركاً لها بعملِها الذي قامت بهِ في الحياةِ.
أثناءَ قراءَتي لنبذةٍ عن جماعةِ “اذكُرني في ملكوتِكَ”، علمتُ أنَّهم يقومونَ بنشرِ رسالةٍ شهريَّةٍ أطلقوا عليها اسمَ “إلى أخوَتي الخَمسَة”. يعودُ بنا هذا الاسمُ إلى مثلِ “الغنيِّ ولعازَرَ” حيثُ للغنيِّ أخوةٌ خمسة. وكأنَّ هذه الرِّسالةَ مرسلةٌ من اللهِ إلينا نحنُ الأخوة جميعاً. كما أنَّها تذكيرٌ بالأسفارِ الخمسةِ للشَّريعةِ والتي أُعطيَت في العهدِ القديمِ. ونحنُ بدورِنا يا أخوَتي سننقلُ هذه الرِّسالةَ إلى أخوتِنا الخمسة- وكلُّ شخصٍ نلتقي بهِ هوَ أخٌ لنا- واليومَ تنمو هذهِ الجماعةُ أكثرَ وأكثر.

باسمي وباسم أبناءِ الرَّعيَّةِ جميعاً، والأب طوني رزق الذي أحبَّ أن يشاركَنا، لا بل سبقَني إلى هذهِ المبادرةِ الجميلةِ، أودُّ أن أشكرَ جماعة “اذكُرني في ملكوتِكَ” من كلِّ قلبي على بادرةِ الحبِّ الصَّادرةِ تجاهَنا، ونحنُ نقبَلُ وبكلِّ رحابةِ صدرٍ أن ننتمِيَ إلى هذهِ الجماعةِ، وأعدكُم باسمِ اللهِ أن أبذلَ كلَّ جهدي وقدراتِ أبناءِ الرَّعيَّةِ والأشخاصِ المحبِّينَ لها ليكونَ هذا القدَّاسُ ذا حضورٍ أكبرَ في الشَّهرِ القادم، لكي نُشعِرَ الآخرينَ بأنَّهُ شكرٌ منَّا للهِ على النِّعَمِ الكثيرةِ التي يمنحنا إيَّاها وعلى رحمتِهِ الكبيرةِ التي يشفِقُ بها علينا.
وَأودُّ أن أطلبَ من الجماعةِ أن نقومَ في المرَّةِ القادمةِ بتأمينِ وشاح “اذكُرني في ملكوتِكَ” وتوزيعِهِ على جميعِ الحاضرين، لكي نكونَ جميعاً أبناءَ رسالةٍ واحدةٍ ونبقى يداً واحدةً بنعمةِ اللهِ الآبِ والابنِ والرَّوحِ القدسِ الإلهُ الواحدُ، آمين.

الآنَ سنكونُ مع صلواتٍ وَابتهالاتٍ قصيرةٍ، ثم سنكملُ الذَّبيحةَ الإلهيَّةَ. وفي نهايةِ القدَّاسِ، وقبلَ أن نؤدِّيَ رتبة الصَّلاةِ الجنائزيَّةِ، سيكونُ هناكَ كلمةٌ لمؤسِّسة الجماعة السيدة جانيت الهبر لتعرِّفَنا أكثرَ إلى هذه الجماعةِ الرَّسوليَّةِ المؤمنةِ وبرنامَجِهَا وأنشطَتِها، وربَّما نتمكَّنُ نحنُ أيضاً من المشاركةِ في قداديسَ لرعايا أخرى وبهذا نشاركُ بعضنا البعضَ بصدقٍ.
فليبارككُم الرَّبُّ في جميعِ أعمالِكُم، ويثبِّت خطاكُم ويبارك عائلاتِكُم جميعاً ويرحم جموعَ موتاكُم وموتانا، ويجعل من هذا اللقاءِ لقاءً لذكرِ أمواتِنا، ولاجتماعِ عائلتِنا بعضها ببعض.

ملاحظة : دُوِّنَت العظة بأمانةٍ من قِبَلنا

Instagram
Copy link
URL has been copied successfully!
WhatsApp