“لا تَخَف، أيُّهَا القَطيعُ الصَّغيرُ، لأنَّ أَبَاكُم قَد سُرَّ أن يُعطِيَكُم المَلَكوت” (لوقا 12: 32)
بقلم الخوري فاروق زغيب،
لا شيءَ كالثِّقة يملأ قلبَ الإنسانِ بالأمل، ويُشجّعه على النِّضال والعطاء، فإنَّ ثقتَنا بالله قادرةٌ على أنْ تلفِتَ انتباهَه إلى حاجاتِنا فيحقّقها لنا بحسب مشيئتِه وفي الوقت المناسب شهادةً للعالم أجمع.
إنَّ ثقةَ بطرس بيسوع جعَلَتْه يسير على المياه، ولكنَّ الشكَّ تسرَّب إلى أعماق نفسِه، فاعتراه الخوفُ وبَدأ يَغرق (متى 14: 28- 33)، فأسرعَ يسوع إلى نَجدَتِه. إنَّ ما يريدُه الله مِنّا هو أنْ نَثِق به ثقةً تامّةً، بَنَويّة لا حدودَ لها.
ألخوف مرتبطٌ بالجَهل، والإنسان هو عَدُوّ ما يَجهل، أمّا الثِّقة فهي مرتبطةٌ بالمعرفة، فلا شيءَ يُبدِّد خوفَنا اليوم إلّا إذا عَرَفْنا أنَّ الله هو العمّانوئيل، الله معنا، وهذا لا يتمّ إلّا بالصَّلاة الّتي تَربطنا بالله وتجعَلنا ننفتِح على الملكوت فنَكون كمَن رِجْلَيه على الأرض ولكنَّ فِكرَه وقلبَه في الله.
يقول المزمور 27:”الربُّ نوري وخلاصِي، ممَّن أخاف؟ الربُّ حِصنُ حياتي، ممَّن أَرتعِب؟”. مَن غَيْره يَجلب الطمأنينةَ لحياتنا، ومَن غَيْره بِلَمسَتِه يرفعنا، ومَن غَيْره يُحوِّل الخوفَ إلى سلامٍ، ومَن غَيْره إذا ارتعبْتُ يَحمِلني على الأَذرع الأبديّة، ومَن غَيْره يُبدِّل الحزنَ إلى فرحٍ والموتَ إلى حياةٍ؟ هو يسوع الّذي إنْ قالَ فَعَل ومَعَه أبداً لا خوفَ ولا اضطرابَ لأنَّه أمينٌ في وَعْدِه: “لا تخَف أيّها القطيع الصَّغير لأنَّ أَباكم قد سُرَّ أنْ يُعطيَكم الملكوت”. اللهُ صادقٌ بكلّ وعودِه فيَقول أمورًا تَفوق العقلَ والمنطقَ البشريّ ولكنَّها تتحقّق، فهو وَعَدَ شعبَه وقطيعَه بالملكوت وهذا أمرٌ لا يُصدَّق ولكنْ بالفِعل أَصبَحنا أولادَ الملكوت بالتَّبني فقد اشترانا بِدمِه الكريم، فكيف لنا أنْ نخاف بَعد؟!!!
مَلكوتُ الله هو أَبو كلِّ الوعود وهو يَعني تَدخُّل الله الحاسِم في تاريخ الإنسان، فهوَ ليس مكاناً نَذهب إليه، بل هو حضورُ الله الفاعِل في الحياة والذي صارَ لنا نِعمةً بِيسوع المسيح. إنَّها محبّةٌ تُريد خلاصَ الإنسان وتحريره مِن كلّ ما يَجعله يقف مخجولاً أمام الله، ويَدعُوه لِيَدخل في شِركةٍ معه: “خذوا كلوا… خذوا اشربوا” (مت 26:26).
هذا الحضور يَتطلّب تجاوبًا مِن الإنسان: أنْ يُهيِّئ له مكانًا في حياته لِيَنموَ ويُثمِرَ، لِيَملُكَ الله على كلّ كيانه، فعندما بَشَّرَنا يسوع بملكوت الله (السَّموات)، كانَ “يُبشِّرنا بكلّ بساطةٍ بالله، أي بالإله الحيّ القادِر على أنْ يَعمل واقعيًا في العالم وفي التّاريخ، والذي يَعمل فيهما الآن بالتَّحديد… أي إنَّه يُمسِك بِزِمام العالم بين يَدَيْه… إنَّ الله يَعمل الآن” (بندكتُس السّادس عشر).
أُطلبوا الله إذاً وابحثوا عنه في نفوسِكم، فهذا هو المكان الأَحَبّ عليه لِيُقيمَ عندكم مَسرورًا ويجعل فيكم ملكوتَه.