“ليس الله إله أموات بل إله أحياءٍ” (مت 32:22)
بقلم سيادة المطران يوحنّا – حبيب شامية، مطران أبرشية مار شربل في بوينس آيرس للموارنة في الأرجنتين،
يُصادِف هذه السنة أنْ تَقع في شهر شباط الأسابيع الثلاثة السابقة لبِداية زمن الصّوم، والتي تتناول تذكار الموتى المؤمنِين، لِذا، أردتُ من خلال تأمّلي هذا، التأكيد على عُمق معنى احتفالنا بِتذكارهم لأنّهم “أحياء عند الله”.
وقد وَردَت في الأناجيل الإزائيّة (مت23:22-33، مر12: 18-27، لو20: 27-38) روايةٌ، يؤكّد فيها يسوع للصدّوقيّين الذين يقولون إنّه “لا قيامة”، أنّهم على خطأ. إذ يَضرب الصدّوقيّون ليَسوع مثلاً، عن امرأةٍ تزوّجت سبعة إخوة، بالتّتالي، بِهدف إنجابِ الَبنين، وتخليد اسم العائلة، وتأمِين وارثٍ لها، بحسب ما تقتضيه شريعة موسى (“زواج السّلفة”: تثنية الاشتراع 25: 5-10)، ويسألونه: “في القيامة لأيّ من السبعة تكون زوجة؟”؛ فيؤكّد يسوع في ردِّه عليهم حقيقتَين حول القيامة:
أوّلاً: إنّ حياة القيامة تختلف عن حياة الدّنيا:
فالزواج ضروريّ في هذه الحياة، لانّه يؤمّن استمرار النّسل البشريّ، أمّا في القيامة فلا، لأنّ النّاس يصبحون “مثل الملائكة”، لا يموتون. وبالتالي، فتلك المرأة، في القيامة، تصبح حرّة من كلّ رباطاتها الزوجيّة على الأرض. ويُظهر لوقا أنّ الرباط الذي يميّز أبناء القيامة هو بنوّتهم لله (لو36:20).
ثانيًا: الإيمان بالقيامة يرتكز على إلإيمان بأنّ موتانا أحياءٌ عند الله:
يعتقد الصدّوقيّون أنّ الإنسان، بعد الموت، يزول من الوجود، وذلك استنادًا الى كتب التوراة (الكتب الخمسة الأولى من العهد القديم)، فيُعطيهم يسوع شاهدًا على القيامة من سِفر الخروج ذاته؛ إذ يذكر الكتاب أنّ الله يقول لموسى: “أنا إله إبراهيم، وإله إسحق، وإله يعقوب”(خ 6:3)، فيؤكّد يسوع أنّ الآباء الثلاثة هم “أحياء عند الله”، لأنّ الله “ليس إله أمواتٍ بل إله احياءٍ” (لو20: 37- 38). فما المقصود بذلك؟
+ إنّ “قيامة الأموات” في نصوص تأمّلنا، لا تعني “قيامة الاجساد” في نهاية العالم، بل بقاء النّاس في الوجود بعد الموت، عكس ما كان يعتقده الصدّوقيّون. فالآباء لم يقوموا بعد بأجسادهم.
+ “ليس الله إله امواتٍ”: لا تعني هنا أنّ الله ليس إله “الذين ماتوا”، بل ليس إله “الذين زالوا من الوجود”. فالله ليس إله آباءٍ عادوا إلى العدم.
+ “إله احياء”: “أحياء” هنا لا تعني الأحياء على الأرض، بل “الأحياء بعد الموت”. فالآباء ماتوا، ورغم ذلك يقول يسوع عنهم إنّهم “أحياء”. فالإشارة هنا واضحةٌ، وتدل على حياةٍ ثانيةٍ بعد الموت: “القيامة”.
إنّ إيماننا إذًا، يؤكّد لنا بأنّ الموت ليس “زوالاً”، وأنّ موتانا هم “أحياء”، وأن الله هو “إله الأحياء والأموات”.