“مريم في حياة يسوع المسيح!”
بقلم الأب عبود عبود الكرمليّ،
منذ البدايةِ، كان يسوع حاضرًا في حياةِ مريم العذراء، كذلك كانَت مريم حاضرةً في حياةِ يسوع المسيح، كما آدمَ وحواء القدِيمَيْن لم يَفترِقا، كذلك آدم الجديد وحواء الجديدة لم يَفترِقا؛ لا في الأرضِ ولا في السّماءِ.
فَحينَ أَقبلَ ملاكُ الربّ مبشّرًا العذراء مريم، كان يسوع حاضِرًا؛ وفي لحظة قَبولِها، حلَّ في أحشائِها، فأَضْحَت أمّهُ وأمّنا.
عندما زارَت مريم خالتَها أليصابات حامِلةً في أَحشائِها مَصدَرَ الفرَح، ارتَكضَ الجَنين في أَحشاءِ أليصابات حين حلَّ سلامُ مريمَ عليها.
ومِن مخاطرِ الموت خلّصَتْهُ، حينَ حَمَتْهُ من غَضَب هيرودوس وحَمَلَتْهُ مع خطّيبِها يوسف إلى بلادٍ بعيدةٍ، حيثُ مَكَثوا إلى أنْ أمَرَهُم الربُّ بالرّجوع. وعندما غابَ يسوع عنها ثلاثة أيّامٍ، تَبِعَت حِسَّها الأُموميّ إلى الهيكل، فوَجَدَته وأُسكِنَ رَوعُها. ولما قرَّرَ بدءَ حياتِه الرّسوليّة، قبِلَت بِكلِّ حُبٍّ، وحتّى عِندَما لم يُعطِها الأولويّة حين قال: “مَن هي أمّي ومَن إخوتي؟” (مت 48:12)، لأنَّ كلامَ ابنها هو كلامُ الله الذي قبِلته يوم البشارة. في عرس قانا، أجلسَها في الصَّدارة كسلطانةٍ مكرّمةٍ عن يمين الملك، وأطاعَها بتواضعٍ جاعلاً الماءَ خمراً مِن أجل أنْ تَكتَمِلَ فرحةُ العرس.
على دربِ الجُلجُلة طبَعَت خطواتها باتّباعِه، وتَرَكت بصمَاتِها على صليبِ ابنِها حين عانقَتْهُ. مِن أعلى الصّليبِ نادى تلميذَه الحبيب، وقبلَ أنْ يلفُظ أنفاسَه الأخيرة، سلّمَ أغلى ما عِندَهُ، أمَّه، لتكونَ ليوحنّا وللعالم أمًّا، رُغمَ أنّه عالمٌ أنّ الفراق لن يطولَ كثيرًا. بلهفةٍ عانقَتْهُ حينَ أنزلوه مِن أعلى الصّليب، كما حملَته وهو طفلٌ في المغارة، فمَريم هي أوّل مَن احتَضَنَهُ عند الولادة، وأوّل مَن احتَضَنَهُ بعد صَلبِه.
على عتبةِ القبرِ ظَلَّت صامِدةً، وهي تنظرُ الحجرَ الكبير الذي حَجَبَ وحيدَها عن عيْنَيها؛ وفي اليومِ الثالثِ أطفأ يسوع نارَ قلبِها الحزين حينَ وَقفَ أمامَها بكلِّ بهاءٍ، والنورُ يشِعُّ منه، كما كان في يومِ تجلِّيه على جبلِ طابور. نِعمة الرّوحِ أخذتها مع تلاميذه، فأصبحَت من حينِها لا أمّه، فحَسب، بل أمَّ الكنيسة، شاهِدةً على تأسِيسِها.
بإكليلِ المجدِ والبهاءِ توَّجهَا وبأسمى الامتيازات أكرمَها، وفرّحَها، عندما رأَت ابنَها، أوّلَ مَن يستقبِلُها في السّماء. فيَسوع لم يتخلَّ عن أمّه، ولا مريم تخلّت عن ابنِها. فمَن يستطيع أن يفصلَ أمًّا عن ابنِها، أو ابنًا عن أمّه؟
وفي الختام: إذا أردتَ أنْ تبحثَ عن الرّب يسوع ولم تجِدْه، فابحَثْ عن مريم، وعندها ستَجِد يسوع، لأنّها قريبةٌ من ابنِها دائمًا. ستَظلّ ترمُقُنا جميعاً بعَيْنَيّ العَطفِ والمحبّةِ والحنانِ.