“مَن يَخدمني فليَتبعني….” ( يو١٢: ٢٦)
بقلم الخوري نبيل مونس، خادم رعيّة سيّدة لبنان – اوكلاهوما،
ما أعظمَكَ يا إلهنا، ربّنا يسوع المسيح، وما أعظمَ كلمتَكَ، منها نَستقي ينابيعَ الحياة وفيها نجدُ الحقَّ والنّورَ. كيف لَنا أنْ نَفهم سِرَّ الحبِّ والحياة الذي غمَر سِرَّ تجسُّدِكَ من العذراء مريم؟ فالرّوح القدس الذي حلَّ على القدّيسة مريم أمِّكَ، هو الذي يَهدِينا ويروي عطشَ أرواحِنا، وهو نفسُه الرّوح البارقليط، المعلِّم، الذي قادَنا إلى كلمتكَ الإنجيليّة التي يكمُن فيها خلاصٌ للبشريَّة جمعاء، ومحبةٌ لكلِّ فردٍ وإنسانٍ.
ما أجمل أنْ تَتفتّح أعينُنا على ما تحمِله لنا هذه الآية الإنجيليّة مِن بُشرى سعيدةٍ إلهيٍّة في فَهْمِ عيد انتقال العذراء
مريم، والدة الإله الفائقة القداسة. بادِئ ذي بدء، كلُّنا يَعلم أنَّ أمَّنا مريم، أمَّ الحياة، الممتلئة نعمةً هي أوَّل مَن
قَبِل أنْ يكون للربّ خادماً وتَبِعه “مَن يَخدمني فليَتبعني”، وجوابها للملاك لم يزل يُدوِّي في العقول ويتردّد في الضمائر: “ها أنذا أَمَةٌ للرّب فليَكن لي بحسب قولِكَ” (لو38:1).
كذلك إذا أرَدنا أنْ نَسبر عمقَ خدمتها وأقصى مداها، فما لنا إلّا متابعة إنجيل يوحنّا الذي يُرينا إيَّاها واقفةً تحت الصّليب، وَعَيْنَا يسوع المصلوب تَنظران إليها بكلِّ ما فيهما من ألمٍ وأملٍ، مِن حُبٍّ وحنانٍ، من عهودٍ ووعودٍ. كذلك في غَوْصِنا العميق في معاني هذه الكلمة اللاهوتيّة نرى أنَّ يسوع يكشف لنا، لا بل يشقُّ لنا السَّماء لنَرى ما أعدَّه الله لأمِّه العذراء مريم في حياتها ومماتها وانتقالها إلى عالم الخلود، الذي لن يَدخله إلَّا أنقياء القلوب.
“وحيث أكون أنا، فهناك يكون أيضاً خادمِي. مَن يَخدمني يُكرِمه الآب”، كلامٌ كيفما فُسِّر إنما يَعني مصيرَ الإنسان، لا سيّما مصيره النُهيَويّ: أسيَكون بالقرب من الحبيب، مِن الربّ الرؤوف الذي أحبَّنا حبَّاً لا تحدُّه حدودٌ؟ حبًّا جبّاراً قاهراً الموت بالموت، متغيِّراً مغيِّراً الأشكال، قالباً كلَّ الأوضاع الوجوديّة الأرضيَّة الفانية؟ هذا وأكثر منه، لأمّه الساكنة في قلبه، المتربّعة على عرش روحه القدّوس، وهو قدّوسٌ من قدّوسٍ، “هلمَّ أيُّها الرّوح القدس وأرسِل من السّماء شُعاع نوركَ لنَرى ما لم تَره عينٌ، ونَسمع ما لم تَسمع به أذنٌ، أي ما أعدَّه الله لـمَن يَتبَعه ويكون خادمه الأمين.
لقد شاء الله الآب القدّوس، بذاته وصباؤوته، أن يكرِّم العذراء مريم، التي قالت “نَعم” وكان في كلمتِها امتلاءُ النِّعم. فعندما قُرعَت أجراسُ الرّحيل إلى ملكوت الرّب، تمَّت فيها كلمةُ ابنِها، وهو الكلمة الله، فرَقدَت بالرّب بحنانٍ إِلهيٍّ، ثمّ رفَعها الله وكرَّمها بجسدها وروحها إلى أعلى المقامات السّماويّة، لأنها أمُّ المخلِّص يسوع المسيح، ملك الملوك وسيِّد الأسياد له الملكوت والمجد إلى الأبد.