“هلّم مع الـمرأة السّامريّة …” (يو 4: 4-30)
بقلم الأب نوهرا صفير الكرمليّ
الزّمَن العادي فـي الكنيسة اللاَّتينيَّة الرومانيَّة الَّذي يـمتدّ على مدار 34 أسبوعًا، هو زمَن اللقاء بالرّوح القدس الباراقليط الـمعزّي. تُذكّرنا الكنيسة بِفعل الرّوح القدس التقدّيسيّ فـي العالـم، وجـمال سِرّ الـمعموديّة الـمقدَّسة، الذي هو مشاركتنا الشخصيّة فـي الـحياة الـجديدة التي أشرقت مِن قبر الـمخلّص الفادي.
سنتأمَّل معًا فـي نصّ الـمرأة السامريَّة، التي عادَت إلى بَيتها، تفيض بـِمياه الـحياة الأبديّة. التقَت بِيسوع عند البِئر «ينبوع الـحياة ومُعطيها» فحمَلته وعادَت به ساكبةً فيْضَه على أهل بيئَتِها فأخذوا يُنشدون الـماء الـحيّ من مصدره. جاء إلـى هذه الـمرأة مَن أشرق عليها إشراقًا لـم تستطِع أن تردّه. فأصبَحَ بالنسبة إليها كلَّ الوجود وهو سيِّدُ هذا الوجود.
جذبَ الرَّبّ انتباهَها قائلًا: “أنتِ لا تَعْرفينَ ما يُعطيه الله، ولا تعْرفينَ مَن الَّذي يقولُ لكِ: أعطِيني لأشرَب. فلَو عرَفت، لطلَبتِ أنتِ منهُ، وَلأعطَاكِ مَاءً مُـحْييًا” (يو 4: 10). إنّ مياه يعقوب لا تروي العطش أبدًا، فـي حين أنّ الـماء الذي يعطيه هو يتحوّل إلى “نَبْعًا فـي دَاخلهِ، ويَتدَفَّقُ مُعطِيًا حَيَاةً أبَديَّة” (يو 14:4).
إنَّ الـمَاء الـحيّ فـي إنـجيل القدِّيس يوحنّا يُشير إلى الرّوح القدس. كمَا أنَّ الرَّبّ يسوع أشارَ فـي حواره مع السامريّة إلـى الـمعموديّة والتي تفترض التوبة أيّ الانتقال الـحقيقيّ من حياة الـخطيئة إلى حياة النّعمة مع الرَّبّ، لذلك قال يسوع للمرأة السامريّة عندما طلبَت مِنه الـماء: “إِذهبي وادعي رَجُلَكِ” (يو 4: 16). إنَّ الرَّبّ يريد منها أن تعيد النظر فـي مسيرةِ حياتـها، إِذ كشَفَ لـها تفاصيل حياتـِها، فاعترَفت أنّه «نبيّ». وما اعترافها هذا إلَّا تـمهيدًا للحوار العميق الذي سيَجري بَينها وبَينه عن العبادة الـحقيقيّة، لأنَّ الرَّبّ يسوع هو مـخلّص العالـم، وهو لا يقيم أيّ تـمييز، بل يهتمّ بالـجميع.
إنَّ الـمرأة، عندما تركَت جرّتـها، أي تركَت عالـمَها القديـم، ذهبَت تبشّر أهل مدينتِها غير خائفة ممّا كانت عليه فـي حياتـها مِن عالـم الـخطيئة، قالت: “تعالوا وانظروا إنسانًا قال لـي كلّ ما فعلت”(يو 4: 29)، دافعةً إيَّاهم إلـى لقاء الرَّبّ يسوع “فخرجوا من الـمدينة وَأَقبلوا نـحوه” (يو 4: 30).
إنَّ هذا الإعلان الإلـهيّ فـي لقاء الرَّبّ مع الـمرأة السامريَّة، ما زال ساطعًا في قلب هذا العالـم عبر تعاليمِه ومـحبَّته ورحـمتِهِ اللَّامتناهيّة التي أنبعَت الـماءَ الـحيّ من جنبِه الـمَطعون على الصّليب، مع أنَّنا فـي الكثير من الأحيان نـحجُبُ إعلانَهُ هذا بِسبب ضعفِنَا، أنانيّتنا، خطيئتنا، حُبِّنا الـماديّ والأرضيّ، وتعَلُّقِنَا بالرئاسات وبـِمفاهيم العالـم الزائلة، وهذا ما يـحرمُنا مِن عطيَّة الله، ينبوع الـماء الـحيّ الَّذي لا يَنضَب. هَلُمَّ بِنَا مع الـمرأة السامريَّة إلـى ملاقاة الرَّبّ القائم من بين الأموات، والاستعداد لرؤيتِه وجهًا لِوجه فـي الأبديَّة، حيثُ يُنادينا، قائلًا: “أتركوا كلَّ شيءٍ، واتبعوني أنا القيامَة والـحَقّ والـحياة، إلـى الـمكان الـمُعَدِّ لكم، حيثُ لا حزنٌ ولا أَلَـم، بل فَرَحٌ أبديّ”.