“يا نورًا في عتَمَتِنا”
بقلم الأب ابراهيم سعد،
كلُّ ذي جَسَدٍ يَضْمَحِلّ أمام نورِكَ، كلُّ إنسانٍ وليدُ جَسَدٍ إلّا أنتَ لم تأتِ من لحمٍ ودَمٍ بل مِن الله. يا مَن ارتَضَيْتَ وأنتَ بلا عيبٍ أن تتوَحّدَ مع حامِلِي العيوب. ربِّي، نَحن بِتْنَا بلا مأوىٍ، هجَّرَتْنا الخطيئةُ ونَسِينا أنّكَ البيْتُ والمأوى وأنَّك الدِّفء. إليكَ وَحدَكَ نَجِيء مِن مَتاهاتِ العَتَماتِ، ونلتَقي بِكَ على ضفَّة النَّهر، لِنَنعمَ بِنورِكَ ونورِ أبيكَ ونورِ روحِكَ القدُّوس ولِتَمْحوَ ظُلمَتَنا الّتي نَحِنُّ إليها بين حينٍ وحين. ربِّي، مَن التَقى بِنورِكَ عادَ بَصيرًا. تعالَ إلينا مِن جديدٍ، كي نلبَسَكَ نورًا، نحن العُراة بِسبب ما فَعَلْنا ونَفعَل. أنفسُنا أضاعَتْ عُذريّتَها في ملذّاتِ الدُّنيا. فكيفَ نَستَعيدُ طُهرَنا بلا نورِكَ؟ نَعرف أنَّ ظروفَنا ليسَتْ عُذرًا. نَسِينا وَجهَكَ الـمُضِيء لأنّنا انهَمَكْنا في كُلِّ الوُجوهِ وظنَنّاها راحةً وهي كَذُوب.
أنْقِذْنا يا ربّ مِن “مياهِ الطُّوفانِ الكثيرة”، أَعِدْ لنا مَعموديَّتَنا بمياهِكَ الّتي تَفَجَّرَت مِنك. نحن أشقياءُ وَحدَنا، لا تتركْنا بلا نورٍ وأنتَ النُّور الحقيقيّ. حَنِينُنَا إلى العَتَمةِ يَمنَعُنا من رؤيةِ نورِكَ، أرجِعْنا إليه يا نورًا مِن نور. نحن في ضَياعٍ بين أن نَغرَقَ في بَحرِ الدُّنيا الـمُهلِكِ وبينَ مِياهِكَ المحييَة. أَرشِدْنا إليكَ “لِنَحيا ونُوجَد ونتحرَّك”. كلُّ إنسانٍ خَيْبةٌ إلّاكَ أنتَ الرَّجاء. كلٌّ مّنا تُغْرِيه وَثَنيّةٌ كامِنةٌ فيه، وأنتَ الحيُّ إلى الأبد. نحن حَزانى لأنَّه رُغمَ ظُهورِكَ ربًّا في المياهِ، لَهَوْنا في البحارِ المغرِقة، أي أهوائِنا وخَطايانا، مع أنّنا نَعرفُ أنّك تَحُلُّ في مَن ارتضَى حُلولَكَ فيه. ولكنّنا قاومْنا النِّعمةَ وما زِلْنا، لأنّنا آثَرْنا شَهواتِنا عليكَ. لم نعرِف أن نُحوِّلَ أشياءَنا إليكَ لأنّنا لم نُحوِّل أنفسَنا إليكَ. لماذا نخشَى التَّوبةَ ونحن نعرِفُ أنَّ رُجوعَنا إلى وَجهِكَ يَعني رُجوعَنا إلى الحقِّ والنُّور؟
تعالَ إلينا لتُنقِذَ دُنْيَانا مِنَ التُّرابيّة. أَعِدِ الكَرَّةَ مِن جديدٍ وانْزِلْ إلى المياهِ ثانيةً علّنَا نَفهَم ونَعود إلى العهدِ، وبِهذا يَعرِفُ العالمُ أنّنا تلاميذُكَ ويَستنيرُ العالمُ بنورِكَ الّذي تَزرَعه فينا.
في ظهورِكَ يا ربّ، نحن على موعدٍ مع الانتصارِ، على موعِدٍ مع الحياةِ الجديدةِ والجِدِيَّة. السّؤال:”ماذا نَعمَلُ لِنَرثَ الحياةَ الأبديّة؟” (لو 18:18)، هُوَ هُوَ، لَن يُلغى.
تعالَ. أدفِقْ نورَكَ. عمِّدْنا، فالضَّوءُ فيكَ كاملٌ ولن يُنتقَص، ونحن فقراءُ إليه. تدفَّق علينا ولا تَبْخَل وأنتَ الكريمُ الجوَّاد. سَدِّدْ خُطانا لِنَعودَ إليكَ بأقدامٍ ثابِتة. اللَّهُم رِضاكَ رِضاكَ. فإذا حَلَّ، فَهُوَ الظُّهورُ الجديد.
دَعْنا ننطَلقْ من هذا النُّورِ ليَظهَرَ فينا وفي شهادةِ أعمالِنا الصّالحةِ، حتّى يَصدَحَ صوتُ أبيكَ لِكُلٍّ منّا “أنتَ ابْني الحبيبُ الّذي بِه سُرِرْت”(مت 17:3). بِدُونِكَ ليْسَ فينا شيءٌ صالحٌ. ليْسَ لنا نورٌ في أنفسِنا. لا يوجدُ إلّا عتَمَةٌ وكلُّ نورٍ فينا مُستمَدٌّ مِنكَ. يا نورًا في عَتَمَتِنا.