“مَسَحَني لأُبَشِّرَ المَسَاكِين”
بقلم الأب حنّا اسكندر
“رُوحُ الرَّبِّ علَيَّ، ولِهذَا مَسَحَني لأُبَشِّرَ المَسَاكِين، وأَرْسَلَنِي لأُنَادِيَ بِإِطْلاقِ الأَسْرَى وعَوْدَةِ البَصَرِ إِلى العُمْيَان، وأُطْلِقَ المَقْهُورِينَ أَحرَارًا”. (لوقا 4/18) هذه رسالة سيّدنا يسوع المسيح. وبالمعنى نفسه رسالة مار بولس: فالمسيح أرسله إلى الأمم، لِيَفْتَــحَ عُيُونَــهُم فَيَعُودُوا مِنَ الظَّـلامِ إِلى النُّور، ومِنْ سُلْطَانِ الشَّيْطَانِ إِلى الله، فَيَنَالُوا، بِإِيْمَانِهِم بِـي، مَغْفِــرَةَ الـخَطَايَـا ومِيرَاثـًا مَـعَ الـمُقَدَّسِين. (أعمال 26/17).
كذلك نَذكر مِن رسالة القدّيس شربل على سبيل المثال، مع المنازعِين خاصّة والحزينِين: “فكان يجتهد أنْ يَزرع الرّجاء في قلوب الآخرين من الرّهبان والعالميّين. وإذا مرِض راهبٌ في الدّير مرضًا ثقيلًا، كان يطلب من الرّئيس، بِإلحاحٍ زائدٍ، أنْ يَستدعي له الأب شربل ليُسلّحه بالأسرار الإلهيّة، مِن اعترافٍ، وزادٍ أخير، وما إليه ليُشجِّعهم، ويَسكب في قلوبهم الأمل والرّجاء، ليَستطيعوا أنْ يُغادروا هذه الدّنيا على رجاء القيامة. فكان يأتي ويَمكث بِجانب المريض اللّيل كلّه، جالسًا على كرسيّ، ولا يفارقه إلاّ ليُصلّي في الكنيسة، إذا لم يكن ثمّة من داعٍ إلى مفارقته. وعندما كان يأمره الرّئيس بالذّهاب للصّلاة على مريضٍ كان يذهب بِطيبة خاطر.
ونَحْن على مِثال سيّدنا وقدّيسينا، وخاصّة في جماعة “اُذكرني في ملكوتك”، نُمارس فِعْل الحبّ مع الحزانى، ونُساعدهم بِصلواتنا ووقوفِنا إلى جانبهم…
وبينما نَحْن نَركض لِتأمين مستقبلِنا ومُستقبل أولادنا، يَجب أنْ نتذكّر دائمًا أنّ مُستقبلَنا ليس هو آخر أيّامنا في هذا العالم، لكن هو أوّل يوم في العالم الآخر. نؤمِّن مستقبلَ أولادنا لمّا نؤمِّن لهم السّماء، لمّا نُعطيهم الحياة، وما من حياةٍ إلّا بالمسيح، فكيف نُعطي أبناءنا المسيح، إنْ لم يكن هو فينا؟ وإذا لم نتقدَّس، فكيف نقدِّس أولادنا؟! إذا لم نُعطِهم المسيح، فكلّ شيٍ آخر نُقدّمه لهم إيّاه عقيمٌ وزائلٌ، يزولون هم ويزول معهم. ليس بِالمَسكن العالي وضمانات هذا العالم نُعطي أولادنا الأمان والمستقبل، بل بمَنحِهم قداستنا وصلواتنا، نَكفُل أمانَهم في هذا العالم ومستقبلَهم في العالم الثاني.
فلنَسعَ لِنَجاحنا ولِنَجاح أولادنا في الحياة: فالنّجاح في الحياة هو الوقوف قدّام الله بِدون خجل.
لنُصلِّ: “الإنسان اللي بيصلّي بيعيش سِرّ الوجود، والإنسان اللي ما بيصلّي بالكاد موجود. يللي بيشيل الله من عمرو، من فكرو وقلبو بيسحقو الزمن وبيغرق بالموت، ومش يعني الله ما عاد موجود، يعني هو ما عاد موجود. ومن قلب الله خرج الإنسان وإلى قلب الله يعود” (كلمات مار شربل).