أبتِ الجليل، إخوتي الأحبّاء،

بدايةً، أودَّ أن أشكر الله على إيماننا الكبير الّذي يُتَرجَم دائمًا بِرَجاءٍ مسيحيٍّ واضحٍ عند خسارتنا لأحبَّائنا، إذ مِن خلال تَصرُّفِنا نَقول للربّ إنّنا نؤمِن ونُصدِّق أنّ هذه الحياة هي مرحلةٌ وأنَّ الآتي هو أجمل وأفضل. إنّ الآتي هو العيش مع الربّ أي بحضوره. هذا الإيمان المسيحيّ الّذي يُعبِّر عن نَظرتِنا الخاصّة للموت، هو مِن أهمّ العلامات الّتي تتميَّز بها الكنيسة. لذلك، نموتُ كلَّ يومٍ ونُحسَب مِثلَ غَنَمٍ يُساق للذَّبح، ولا نفتَح أفواهنا. هذا الواقع الأساسيّ المسيحيّ الّذي علينا أن نعيشه.

انطلاقًا من هذا الإيمان، كانت البذور الأُولى لولادة جماعة “أذكرني في ملكوتِكَ”. وها هي اليوم، قد أتَتْ إلينا، إلى بقاع كَفرا، لتُشرِكنا بهذا الإيمان ولِتُذكِّرنا بأمرٍ نَعرِفُه جيِّدًا ونعيشه في كلِّ يوم، وهو أنَّ الموت هو حالةُ عبورٍ ورُقادٍ يَعبُر مِن خلاله الإنسان مِن الموت إلى الحياة. هذا الواقع الّذي نعيشه نتيجة حزننا وخسارتنا، يجعل الأشخاص المحيطين بنا يؤمنون بالله، حين يَرَوننا كيف نودِّع أحبّائنا شوقًا إليهم، لا فقدانًا للرَّجاء.

على ضوء هذا الإيمان، نجد أنَّ قدَّاسنا اليوم يُغذَّي هذا الإيمان وهذه المحبَّة الموجودين في قلبِ كلِّ واحدٍ منَّا، فنُصلِّي إلى الله معًا وبقلبٍ واحدٍ، معتَرِفين أنَّ أحبَّائنا قد سبقونا ونحن سَنلحَقُ بهم وكذلك البشريّة جمعاء، لنلتقي كُلَّنا بالمسيح. إنَّ حُلمَنا الكبير هو  أن يأتي ذلك اليوم الّذي فيه نلتقي بالربّ وجهًا لِوجه.

نحن اليوم مجتمعون حتَّى نذكر موتانا لا للنَّدب والبكاء والشُّعور بالأسى إنّما للصلّاة لهم. إنَّ الشَّارة الّتي تضَعونها على أعناقكم هي بيضاء اللَّون لأنَّ اللون الأبيض هو علامةُ رجاءٍ كبيرة. نحن أبناء الإيمان؛ وبالتَّالي لا يمكننا أن نشعر أنَّ الموت هو صَليبٌ وضَربةٌ تُعلِن نهايةَ كلِّ شيء. لا! إخوتي، إنَّ المسيح جاء إلى أرضنا وواجه الموت بالموت وغَلَبَه وأعطانا الحياة. لذا، علينا نحن أيضًا أن نواجه الموتَ بِكُلِّ ثقة، غير خائفين منه، لأنّنا نُدرِك مسبَقًا أنَّنا منتصِرون عليه، لأنَّ بعد الموت الأرضيّ هناك حياة. نحن نؤمِن بذلك، وإلّا ما الفائدة من وجودنا هنا!

ملاحظة: دُوِّنت العِظة ِبأمانةٍ مِن قِبَلِنا.