انطلاقة “أذكرني في ملكوتك”،
كنيسة سيّدة الورديّة – زوق مصبح، كسروان.
عِظة القدّاس الإلهيّ للأب ميلاد أنطون المريميّ، خادم الرعيّة:
باسم الآب والابن والروح القدس، الإله الواحد، آمين
إخوتي الأحبّاء، الله معكم،
بدايةً، أوّد أن أشكر الربّ على لقائنا بجماعة “أذكرني في ملكوتك”، التي تسعى إلى حثّ المؤمنين على ذِكر أمواتهم في الذبيحة الإلهيّة. وها نحن اليوم نحتفل مع هذه الجماعة بالقدّاس الأوّل في رعيّتنا الّـتي قرّرَت الالتزام برسالتها، ولذا نقدِّم هذه الذبيحة الإلهيّة من أجل راحة نفوسِ جميع الموتى المؤمِنين وبخاصّة أولئك الّذين دَوَّنتم أسماءَهم عند دخولكم إلى الكنيسة في سجلّ “أذكرني في ملكوتك”. كما أودّ أن أشكر هذه الجماعة بشخص السيِّدة جانيت الهبر، إضافةً إلى كلّ السيِّدات في رعيّتنا الّلواتي أعلنَّ استعدادهنَّ للالتزام في رسالة هذه الجماعة. وفي الختام أودّ أن أشكر جوقة رعيّة كنيسة سيِّدة الورديّة الّتي ستخدم هذا القدّاس، الّذي سيُحتَفَل به في الاثنين الأوّل من كلّ شهر.
إخوتي، قبل البدء بالعظة، أودّ أن أُوضِح لكم بعض النقاط:
أوّلاً، سيُقدَّم القدَّاس الإلهيّ، في الاثنين الأوّل من كلّ شهر، على نيّة جميع الموتى المؤمنين الّذين تمّ تسجيل أسمائهم في سجلّ “أذكرني في ملكوتك” منذ اليوم الأوّل لانطلاقة هذه الجماعة في رعيّتنا، لذا لا داعي لتكرار تسجيل أسماء الموتى أَنفسهم في كلّ قدَّاسٍ إلهيّ.
ثانيًا، إنَّ مردود الصّواني التّي ستُجمع خلال هذا القدَّاس ستُضاف إلى صندوق المحبّة في رعيّتنا، الّذي يهدف إلى خدمة الأكثر حاجة فيما بيننا.
ثالثًا، سيُوزّع قربان الرّحمة على نيّة جميع أمواتكم عند نهاية القدّاس الإلهيّ. إنّ هذا التقليد الّذي درجت عليه الكنيسة في توزيع القربان عند ختام كلّ قدّاس لأجل راحة أحد المنتقلين مِن بيننا إلى السّماء، يعود إلى أربعة آلاف سنة، أي إلى عهد الفراعنة في مصر، فالمصريّون كانوا يضعون الطّعام في نُعوش عظمائِهم يوم مماتهم، اعتقادًا منهم أنّ الميِّت سيقوم من جديد، وسيكون بحاجة لما يُعطيه القوّة لمتابعة حياته الثانية، إذ إنّ المصرّيين يؤمنون بالحياة الثانية، أي بالقيامة. لقد اتَّخذ هذا التقليد طابعًا مسيحانيًّا، إذ إنّنا كمسيحيّين نؤمِن بأنّ المسيح يسوع هو الخبز النّازل من السّماء ليكون لنا غذاءً روحيّا، ويُعطينا الحياة الأبديّة. إنّ الطّعام هو الّذي يُعطي الإنسان قوّةً جسديّة ونفسيّة وروحيّة، لتَحمُّل فراق وفقدان أحد الأحبّة بالموت، لذلك استمرّت تلك العادة عبر التّاريخ وتحوّلت إلى توزيع القربان بعد كلّ قدّاسٍ من أجل راحة أنفس موتانا.
رابعًا وأخيرًا، سيوزَّع عليكم عند مغادرتكم للكنيسة، كتيِّب “صلوات التعزيّة والرّجاء” مجانًا، الذي يحتوي على نصوص إنجيليّة ومزامير وصلوات، من شأنها تعزية الحزانى، وأيضًا، ستوزَّع عليكم الرسالة الشهريّة التّي تُصدِرها الجماعة.
(بعد المناولة وقبل البركة الختاميّة، ستُلقي السيِّدة جانيت الهبر كلمةً عن رسالة الجماعة، يليها عرْض فيلم مختصر عن مسيرتها).
تعتمد جماعة “أذكرني في ملكوتك” أيقونة نزول المسيح إلى الجحيم شعارًا لها، لذا سنقوم بشرح رموزها. إنّ هذه الأيقونة هي أيقونة يوم سبت النّور: بعد موته يوم الجمعة، وقبل إعلان قيامته يوم الأحد، نزل المسيح إلى الجحيم لا إلى جهنّم، أي إلى المكان الّذي كانت تنتظره فيه جميع النفوس المنتقلة مِن هذا العالم. إنّ المسيح، بنزوله إلى الجحيم، قد فتح باب السّماء أمام هؤلاء، فدخل إلى ملكوت أبيه السماويّ، وأدخلهم جميعًا معه. قبل قيامة المسيح، كان باب السماء مقفلاً، وبالتّالي لم يكن بإمكان الموتى الدّخول إلى السّماء. إنّ الربّ يسوع يقول لنا إنّه هو الباب، إنّه باب السّماء الّذي بواسطته يدخل جميع المؤمنين إلى الملكوت.
إنّ المسيح في هذه الأيقونة، يرتدي لباسًا أبيضَ، للدلالة على انتصاره على الموت. في علم الإيقونوغرافيا، لا يرمز اللّون الأبيض إلى الطّهارة كما يعتقد الكثيرون، إنّما يرمز إلى المجد والانتصار. إنّ الصّليب الّذي يقف عليه المسيح في هذه الأيقونة، يشكِّل سفينة الخلاص، الّتي نعبُر بها إلى الشّاطئ الآخر، أي إلى الحياة الأبديّة. إنّ المسيح في هذه الأيقونة يُمسك بِيَد حوّاء اليُسرى، فاليد اليمنى لا تظهر في هذه الأيقونة، لأنّها كانت السَّبب في وقوع البشريّة في الخطيئة، إذ بها أمسكت حوّاء الثّمرة. كما نرى من جهةٍ آدم، وخلفه يوحنّا المعمدان والملك داوود وسليمان الملك، ومن الجهة الأخرى، ممثّلي العهد القديم، هابيل وابراهيم وموسى.
أمّا الآن، فنعود إلى كلمة الله الّتي تُليَت على مسامعنا في الرسالة والإنجيل. يدعونا بولس الرّسول في رسالته هذه، إلى أن لا نحزن كسائر النّاس الّذين لا رجاء لهم (1 تس 13:4)، إذ إنّنا أبناء الرّجاء، أبناء القيامة. ويُضيف بولس قائلاً: إنّنا نحن الّذين نؤمن بالمسيح، نموت مع المسيح ولذا سنقوم معه أيضًا للحياة الأبديّة. إنّ الموت بالنسبة إلى المؤمنين بالمسيح ليس نهاية إنّما بداية لحياة أبديّةٍ مع الربّ يسوع، حيث لا حُزنٌ ولا مرضٌ، ولا وجع. ولكن، كي ننال الحياة الأبديّة مع الربّ، علينا السَّعي إليها منذ اليوم، فنعيش حياة مَرضِيَّة لله. إنّ بولس الرّسول يُخبرنا في هذه الرّسالة أنّ جميع البشر سيخضعون للدّينونة، أوّلاً، الّذين سبقونا إلى دار الخُلود، وثُمَّ الّذين لا يزالون على قيد الحياة في هذه الفانية.
إنّنا، لا نعرف لا اليوم ولا السّاعة الّتي سيأتي فيها الربّ يسوع، فتلك السّاعة لا يعلمها أحد إلّا الله الآب وحده. في مجيء المسيح الثّاني، سيدين الأموات أوّلاً، وثُمَّ يخطف بعدها إلى السّماء جميع المؤمنين به الأبرار. إنّ الكنيسة تؤمن بقيامة الأجساد، ويُقدِّم لنا الإنجيل براهين واضحة على أنَّ الموتى سيقومون ولكن بأجسادٍ ممجّدة، لا كما نعرفها على هذه الأرض. إنّ مريم المجدليّة لم تتمكّن من معرفة المسيح عند رؤيته عند القبر، إذ ظنّته البستانيّ، وبالتّالي لو كان الجسد بعد الموت، يحافظ على شكله البشريّ بعد القيامة، لكانت تمكّنت تلك المرأة من معرفة يسوع عند ظهوره لها. كذلك الرّسل لم يتمكّنوا من معرفة المسيح عند ظهوره لهم على شاطئ البحيرة، يوم شوى لهم السَّمك. إنّ المؤمنين بالمسيح يسيرون على خطاه، فكما أنّ المسيح قد مُجِّد في جسده، كذلك العذراء مُجِّدت هي أيضًا بدورها، وهكذا ستكون حالتنا أيضًا بعد انتقالنا من هذه الفانية.
أمّا إنجيل اليوم (لو 12: 1-7)، فيدعونا إلى عدم الخوف مِن الّذين يستطيعون قتل الجسد وحسب، بل إلى الخوف مِنَ الّذين لديهم سُلطان على رمي الإنسان في جهنّم بعد قتله بالجسد. إخوتي، إنّ الربّ يسوع والقدِّيس بولس، من خلال القراءات في هذا القدّاس، ينبِّهاننا إلى الخوف من الخطيئة، لأنّه في حالة انغماسنا فيها، سيكون جهنّم مصيرنا الأبديّ. ختامًا، أذكِّركم بكلمة القدِّيس شربل الّذي كان يقول إنّه علينا الهروب من الخطيئة كَمَن يهرب من الأفعى، لأنّه كما أنّ لسعة الحيّة تؤدّي إلى الموت، فإنّ لسعة الخطيئة ستوصل الإنسان إلى جُهنَّم.
ملاحظة: دُوِّنت العِظة ِبأمانةٍ مِن قِبَلِنا.