“عالمنا بين طوفانين…”
بقلم الخوري جوزف سويد، الوكيل البطريركي للكنيسة المارونيّة في المملكة الأردنيّة الهاشميّة،
“وكان يسوع يَطوف المُدن كلَّها والقُرى” (مت 9: 35-38): ما أروَع هذه العبارة “يسوع يَطوف” لأنّه طُوفان حبّ الرّبّ في عالمِنا.
مَن مِنّا لا يذكر طوفان نوح (تك 7: 10- 24)؟ حينها غَمرَت المياه الأرض واقتلَعَت كلّ الكفر ولم ينجُ إلّا نوح وعائلته.
الله من خلال هذه العلامة نقّى الدّنيا وككلّ مَرّة ترك لنا توقيعًا: قوس قزح؛ لكنّ الطّوفان ما زال مستمرًّا: فالقبطان هو يسوع وعروسه الكنيسة وأولاده نحن، وعلامات محبّته حفرها ونقّاها بالمعموديّة وختَمنا حتّى نكون علامات فارقة في هذا العالم من خلال الأسرار المقدَّسة. وهذه الـمَرَّة، وككلّ مَرَّة، تَرك ربّنا علامةً مدوّيةً: الصَّليب وعلامة الفداء.
في إنجيل القدّيس متى الرّسول (35:9)، طوفان أيضًا ولكنّه طوفان النِّعمة، حيث راح يسوع يَطوف في المدن والقرى. وهذا الطّوفان بمثابة مَسحٍ شامل مِثل بَرَكَة رشّ الماء المقدَّس في الغطاس. فالله يَطوف ومعه تطوف الرَّحمة والنِّعم والخيرات، أي، نسمةٌ ثالوثيّةٌ ستقوم بِمَسحٍ لكلِّ شِبرٍ ومِترٍ على أرضنا.
حضور الله وبَرَكَته كانا حاضِرَين في كلّ مكانٍ، حتّى أنّه دخل المجامع وعلَّم فيها. والنَّصّ يُعلن البشارة أو إنجيل الملكوت؛ وهذه البشارة هي بشارة مُفرِحة يرقص لها القلب وتُحرِّك كيان الإنسان العطشان. إنجيل الملكوت مُوجَّه إلى أولاد مملكة الله كي يتربَّعوا على عرش أبيهم في المجد السّماوي. إنجيل الملكوت هو إنجيل الفقراء والمرضى والبائسِين، هو قِطافٌ من فردوس الرّبّ حتّى يتذوَّق الإنسان صورة الله “ذوقوا وانظروا ما أطيَب الرَّبّ؟” (مز 8:34).
ومَن سيَقوم بهذا العمل؟ نحن؟
- إخوتي، نحن مسيحيّون ممهورون بالميرون، لَسنا دعاة بكاءٍ وشكوى.
- ماذا يُخبّئ لنا الرّبّ في رأيكم؟ “ما لم تُبصِره عينٌ، ما لم تسمَعه أُذنٌ، ما لم يَخطر على قلب بشرٍ…ما أعدَّه الله للّذين يُحبُّونه…” (1كور 2: 9).
ماذا يعني يسوع يَطوف بين البشر وفي القرى والشّوارع؟ اسْمعَوا ما أسفَر عنه طَوفانه:
يقول النَّصّ: وكان يسوع يشفي الشَّعب من كلّ مرَضٍ وعلَّة.
في ذلك اليوم، إلتقى يسوع بالمرضى والمعاقِين والفقراء وفاقدِي الرّجاء. إذا طُفنا، على مثال الرّبّ، بين النّاس، فسنَلتقي بالمنافقِين والفاسِدين وتُجّار الهيكل وعلينا أنْ نَشفيهم مِن عِلَلِهم. وإذا أكمَلنا مشوارنا الممهور بخَتم الرّوح القدس، فسنَلتقي بِمَن يَبيعون كرامتهم ووطَنهم ونفوسهم للشّيطان، وسنَلتقي بالبؤساء وبِمَن يُتاجرون بأرواح النَّاس.
إخوتي، أُحبّ أن أقول ليَسوعنا اليوم: لَيْتك تَطوف من جديد لِتَمسح عتمة اللّيل عن بلادي وشعبي لأنّه، على ما يبدو، العِلل مُستأصلةٌ في شرايين الأوطان والشّعوب، وكثيرون نَسوا أنَّك الطبيب الوحيد والدَّواء؛ كما أنّي أخاف أنْ أُخبرك أنّ قصَّتنا بحاجةٍ إلى طوفانٍ جديدٍ، وتسيء فَهمي. تعالَ يا ربّ ونقِّ بَيْدَرك المريض والمتعَب. اِرْحَمنا يا ربّ.