انطلاقة جماعة “أذكرني في ملكوتك”،
كنيسة دار المسيح الملك – زوق مصبح، كسروان.
احتفل بالقدّاس الإلهيّ الخوري المرشد جوزف سلوم، خادم رعيّة مار فوقا – غادير، كسروان، وعاونه الأب المرشد ميشال عبّود الكرملي، والأب يوسف الخوري، خادم رعية مار شربل – أدونيس، بحضور الرّاهبات الفاضلات، وخُتم القدّاس بكلمة للسيّدة جانيت الهبر عن نشأة الجماعة وروحانيّتها وأهدافها ونشاطاتها الروحيّة.
عِظة القدّاس الإلهيّ للخوري جوزف سلوم، خادم الرعيّة:
استهلّ الأب جوزف عظته، بشكر الله على نعمة اللقاء مع الرّب من جهة ومع بعضنا البعض من جهة أخرى، كما شكر الأب يوسف الخوري والأب ميشال عبّود على مشاركتهما في الاحتفال بالذّبيحة الإلهية، والرّاهبات الفاضلات اللّواتي، وعلى مثال الأب يعقوب الكبّوشي، و”يسوع الملك” فتحن لنا قلوبهن، يستقبلننا ورسالتنا بلهفة وإيمان عارمين.
وقد قال الأب سلوم أن وجودنا اليوم بينكم ليس صدفة، بل هو نعمة ودعوة من الرّب، هو نعمة ودعوة من أبونا يعقوب الكبوشي.
نحن اليوم في زمن الرّوح، الرّوح العامل فينا، الرّوح الذّي يعطي وجودنا وحياتنا ثلاثة أبعاد مهمّة : البعد الأول، وهو “روح البنوّة”؛ فكلّنا أبناء الله، أبناء السّماء، ولنا في ذلك كِبَر عظيم، وفخر أعظم. والرّوح هو الذّي يعرّفنا بأبينا، ويصرخ فينا “أبا”.
البعد الثاني، وهو “روح المحبة” الذّي يجعلنا واحداً، اما البعد الثالث، فهو “روح القداسة” الذّي يسمو بنا إلى مصاف القديسين الأبرار، هذه هي الأبعاد الثلاثة التّي رافقت مسيرة جماعتنا وهي تبشر بواحدة، “بالسّماء” أفلا أحد منا قد استثني من فقدان عزيز أو حبيب، ولم يتفلّت أحد منّا من واقع الموت الأليم.
بنعمة إلهية، ومن أجل ذلك كلّه نشأت الجماعة، حتّى تقول إنّنا لسنا أرواحاً فقط! فما دمنا قد وعينا إلهنا، فعلينا ألا نترك أحداً يتجاهل أو يتناسى ذكر موتاه، فهم أحياء في قلب الله، وهكذا وبتجلّي أبعاد الرّوح الثلاثة فينا، نشأت جماعتنا حتى تصبح جماعة رجاءٍ في العالم.
حضورنا اليوم بينكم، ووجود جماعتنا في هذا الدّير، هو بتدبير إلهي وبشفاعة من أبينا يعقوب، وكما طُبع التاريخ بوقائع مهمّة، ُيتذكّر فيها، كأشخاص أو أحداث أو رجالات، أو غيرهم، فولادة جماعتنا اليوم بينكم، وفي دير يسوع الملك، مطبوعة بحدث مقدس، هو تطويب الأب يعقوب الكبوشي ممّا سيجعلنا نتذكّر دائماً تاريخ انطلاقة جماعتنا بينكم، إذ إنّنا وفي زمن تطويبه، مُنحنا هديّة ولادتنا بينكم، وكلّكم شهود على ذلك، وكلّكم معنيون حتى نسير معاً، وفاءً لأبينا يعقوب الذي يرشدنا الى درب السّماء.
ورد في إحدى كتابات الأب يعقوب التي بلغت تسعة آلاف صفحة، بين رياضات روحيّة وتأملات وعظات رائعة، كلام على “ثلاث طاولات” :
طاولة البيت، أو طاولة العائلة ( التي يصادف عيدها غداً)، وهي التي تجمع أفرادها حولها، وهي رمز للّحمة الأسريّة، نواة المجتمع، ومن هنا تكتسب هذه الطاولة أهميتها الكبرى.
طاولة المدرسة والجامعة، التّي ترمز الى التعليم والثقافة والمعرفة. طاولة المذبح، التي ترمز الى اجتماعنا بالرّب، وحضوره بيننا.
ويطلب منا الأب يعقوب، ان نعيش حياتنا، مارّين بهذه الطاولات الثلاث، من دون أن نغفعل أيًا منها، لكي لا ُتخِلّ بتوازن الحياة الدّينية والدّنيوية. ودعونا لا نؤجل لقاءنا بالرّب حول طاولة المذبح، لأن التأجيل من عمل الشيطان.
ومن وحي آفة التأجيل المتفشيّة في عصرنا هذا، روى لنا الأب سلوم قصّة كبير الشياطين الذي جمع حوله كلّ الشياطين كباراً وصغاراً، لكي يبتكروا تجارب جديدة يبعدون فيها الإنسان عن ربّه ويزعزعون ايمانه به. فاقترح عليه كلّ واحد منهم اقتراحاً لم يعجبه، حتىّ رفع أحدهم – وهو شيطان صغير – إصبعه فسمح له بالكلام، فأخبره هذا الأخير بخطّته قائلاً :
سندعو الإنسان الى الإيمان باللّه الواحد، وبمحبّة الآخر حبّه لنفسه، وبالإحسان الى الفقراء، وبإقامة الذّبائح الإلهية أسبوعياً، وبالصلاة الصّباحية والمسائية، وباستهلال كلّ عمل من أعماله بالصّلاة… فانتفض رئيس الشياطين قائلاً : ولكنّها أمور يُسلّم بها الإنسان ويؤمن بها هي من صميم علاقته الحميمة بربّه، وهذا ما نحاربه كشياطين، فأين الحكمة في ما تقول؟ فأجابه الشيطان الصغير : “أضِف إلى كلّ ذلك كلمة : “غداً”، عندها اتّضحت للجميع خطّة الشيطان الصغير.
فقد اقترح تجريب الإنسان بما يؤمن به، ُيجله يعرفه ويقدّسه، لكن، في آفة التأجيل المقيتة، التي تسيطر على عالمنا اليوم وتبعدنا عن الله، مهما كان حسن نيتنا وقرارنا المعاكس.
فلننبذ التأجيل إذاً، ولنعش لحظتنا مع الله، كما قالت القديسة تريزيا : “حياتي ليست إلا لحظة، وليس لديّ إلا يومي هذا، لأحبّك فيه يا ربّ !”
فلنعش إذاً، نعمة الوقت الحاضر، فلا نؤجل شيئاً للغد، وقد دعانا الأب جوزف في هذا الزمن المبارك، ومع انطلاقة جماعتنا، أن نبدأ بالتفكير بأهمية صلاتنا، وبأهميّة اتحادنا بالله، وبأهميّة محبتنا، وبخاصة في ظروف بلدنا الحالية، فصلاتنا اليوم، مرفوعة على نيّة السّلام في لبنان. كما أنّه لا يمكننا ألا نذكر الكثير من الوجوه الطيّبة الحاضرة معنا اليوم من خلال القربان، وفي صلاتنا اليوميّة، لا المؤجلة منها، بل الفعليّة، وسنصلي من أجلهم، فلا ُنضيّع فرصة نكون فيها، في شراكة مع موتانا الأبطال والقديسين والشهداء الذين يتمتعون بمعاينة وجه الربّ.
وقد قرأت السيدة جانيت مخايل الهبر “رسالتنا…” على الحاضرين وفحواها كيفية نشوء دعوة الجماعة وماهيّتها، كما وقد استهلّتها بعرفان جميل للراهبات الصليب الفاضلات اللًواتي، من موقعهنّ المقدّس في يسوع الملك، الذي قصدَته منذ ثلاث سنوات كرسولة، مصلية، مستشيرة ومشجعة من قِبلهنّ، آمنّ بدعوتها وأضأن لها الدرب حتّى تشقّ درب الرسالة على الأرض. كما إنها نوّهت بالنعمة التي أرادها لها أبونا يعقوب حتى تنطلق رسالة “اذكرني في ملكوتك” من هذا الدير المقدس في زمن تطويبه.
كما تلا القداس لقاء في صالون الدير تبادل فيها الحاضرون نخب المناسبة في جوّ من الفرح والحبور.
ملاحظة: دوّنت العِظة بأمانةٍ من قبلنا.