“كنتَ أمينًا على القليل سأُقيمكَ على الكثير…” (متى 25: 23)
بقلم الخوري جان يمين،
تتمَحوَر أناجيلُ زمنِ الصَّليب حول التواضع والمحبَّة والسَّهر بانتظار مجيء الربّ يسوع، ومكافأته لِمَن يخدمونه من خلال خدمتِهم لإخوته الصِّغار، الّذين ينتظرون محبَّتَنا. فتظهر لنا محبّة يسوع الكاملة الشامِلة لكلِّ جائعٍ وعطشانٍ وغريبٍ وعريانٍ ومريضٍ وسَجينٍ كقدوة لحياتنا في تعاطينا مع إخوتنا في الإنسانيّة. كما يُعلِّمُنا الربُّ يسوع التواضع بقولِه: “كبيركم فليكن خادمًا” (مرقس 10: 43)، ثُمَّ يدعونا لنكون أُمناء وحُكماء في خدمة بَني بيتِه الّذين إئتَمَنَنَا الربُّ يسوع على أن نُعطيهم الطَّعام في حينِه، ووَعدنا بأنّه سيُقيمُنا على كُلِّ ما هو له، وبخاصّة عندما تُشِّع مصابيحُنا كالعذارى الحكيمات في انتظار العريس السّماوي.
لكنّنا أُخِذنا بإنجيل الوزنات (متى 25: 14-30)، وهو إنجيل السَّهر والأمانة بِكُلِّ تواضعٍ ومحبَّةٍ، حيثُ يؤكِّدُ الربُّ يسوع على المعنى الكُليّ الكامل لحياةِ الإنسان وسَعيِه على هذه الأرض. وفي هذا الإنجيل يوزِّع السَّيِدُ وزناتِه على عبيدِه مِن دون أيّ استحقاقٍ مِنهم، كُلٌّ بحسب قُدرَتِه وسافَر للحالِ، وعند عودَتِه، تقدَّمَ صاحب الوَزَنات الخَمس والوَزنَتَين وقالَ كلٌّ مِنهما: “يا سيِّد، سلّمتني خَمسَ وزناتٍ أو وَزنَتَين، وهذه خَمس وَزنات أخرى، أو وَزنَتَان أُخريان رَبحتُها بالمتاجرة”. فقال السيّد لكلّ واحدٍ منهما: “يا لَكَ عبدًا صالحًا وأمينًا، كُنتَ أمينًا على القليل سأُقيمُكَ على الكثير، أُدخُل فَرَحَ سيِّدِكَ”. (متى 25: 23).
لِمَ أعطى السَّيِّدُ الوزنات من دون أيّة ضمانةٍ من قِبل عَبيدِه، وحتّى مِن دون سؤالٍ من العبيد أو شرطٍ من السَّيِّد؟ والوزنات هي الحياة بكاملِها مع كُلِّ النِّعم وكلّ الأشخاص الّذين يَضَعهم الربُّ على طريقِكَ ليَهتَموا بِكَ.
جسدُكَ ونَفسُكَ وروحُكَ وعقلُكَ وقُدرتُكَ وعواطِفُكَ وأحاسيسُكَ وصِحتُكَ والـمُقدَّرات والإمكانات والـمواهب والممتَلَكات، هذه كلها عطايا ومواهب من الله، لتُنَميها لا لِتَدفُنَها.
فتَنمِيَةُ المواهب هي تمجيدٌ لله وخِدمةٌ للإنسان. نَعَم، هي خِدمةٌ للإنسان لأنَّ اللهَ وضَعَ كُلَّ مَخلوقاتِه في خدمةِ بعضِها البعض، ولَيسَ مِن شيءٍ في هذا الكون موجودٌ مِن أجلِ ذاته: فالشَّمسُ لا تَستَنيرُ بِنورِها، والنَّبعُ لا يَشربُ ماءَه، والأشجار لا تَقتاتُ مِن ثمارِها، والقَمر لا يُضيءُ لنفسه، كلّها عناصر مخلوقة توزّع ما فيها ولها على النَّاس مَجانًا. كذلك نحن، أنا وأنتَ وكُلُّ إنسان، خُلقنا مِن أجل خِدمةِ جميعِ البَشَر كُلٌّ بِحسبِ مواهبِه وعطاياه ووزناتِه. هذه هي المتاجرة بالوَزَنات على الأرض. وهكذا نكون عبيدًا صالِحين وأُمَناء على الأمانة الّتي سلَّمَنَاها السَّيِّدُ. أمّا الدُّخول في فَرَحِ السَّيِّد والأمانة على الكثير فهي الملكوت السّماوي حيثُ القدِّيسون يُوزِّعونَ نِعَمَ الله على البشر كما قالَتْ القدِّيسة تريزيا الطفل يسوع: “سَوف أُمضي سمائي أُمطِرُ ورودَ النِعَم على بَني البشر”، والربُّ يسوع يدعونا جميعًا لكي نستَحِقّ الدُّخولَ في نَعيمِه الأبديّ.