“الصّليب حارس المسكونة، الصّليب مجدُ الكنيسة، الصّليب عزّ الملوك…”
بقلم الأب ايلي خنيصر،
هل تساءَل أحدٌ منكم لماذا اختارَت عنايةُ الله أن يولَد السيّد المسيح في بيتٍ متواضعٍ يُشرف عليه نجّارٌ يعمل في الخشب ويُخرج من يدَيه تُحفاً فنيّة، اسمه يوسف؟
هل تساءَل أحدٌ منكم مَن كان النجّار الأوّل في التاريخ الذي عَمِل في الخشب وبخاصة شجر السّرْو وأخرجَ من يدَيه علامة الخلاص؟
هل تساءَل أحدٌ منكم لماذا أراد الربّ يسوع أن يُنقذ ويخلّص العالم بالصّليب، بشجرةٍ، بخشبةٍ؟
ولماذا هذا الارتباط الوثيق بين المهنة والمادة، بين الخشب والمسامير والحبال والمطرقة والإزميل؟
منذ بداية سِفر التكوين، منذ أن قال الله للرجل والمرأة: لا تأكلا من ثمر تلك الشجرة وإلاّ موتًا تموتان، عصى الإنسان وصيّة الله ودخلَت الخطيئة العالم بواسطة الأكل، بواسطة عود الشجرة…
فلا بدّ من أن يعود الله ويخلّص الإنسان الساقط بعودٍ آخر سبق أن أعطاه رموزاً له في العهد القديم، نذكر منها: سفينة نوح، وسُلّم يعقوب، وعصا موسى، وتابوت العهد.
يوم فَسُد سلوك الإنسان على الأرض، قال الربّ لِنوح: لقد جاءت نهايةُ كلّ بشرٍ لأنّ الإنسان أفسدَ سلوكه، فاصنع لكَ سفينة من خشب السّرْو.
وكان نوح أوّل نجّار مع أولاده يصنع من شجر السّرْو سفينةً سُمّيت بحسب آباء الكنيسة: سفينة الخلاص.
بعد الطوفان، ينتقل الكتاب المقدس بأخباره وأحداثه الخلاصيّة حول يعقوب الذي نام ورأى سُلّمًا تَربط السّماء بالأرض، والملائكة تصعد وتنزل السُّلّم.
فجاء هذان الحدَثان أي سفينة نوح وسُلّم يعقوب رمزَين لصّليب المسيح، الذي سيخلّص العالم من طوفان الخطيئة، وسيكون أيضًا الصّليب جسرًا يربط السّماء بالأرض.
وإذا كانت الشجرة سببًا للسقطة، فَتكون مع يسوع المسيح سببًا للنّجاة، لذلك أرادت عنايةُ الآب أن يكون يسوع نجّارًا يعمل بمادة الخشب لِيُهيّئ أداة النّجاة وتكون أيضًا من خشب السّرْو، الأمر الذي اشتهر به الرّومان حين كانوا يختارون هذا النّوع من الأشجار لصناعة الصّلبان نظرًا لصلابة الخشب وثقله.
وما نقوله عن سفينة نوح وسُلّم يعقوب، نقوله أيضًا عن عصا موسى التي أمسكها الله الآب بيده: حين قال لموسى: خذ بيدك هذه العصا فبِها تصنع المعجزات، وهي التي حرّرت الشعب من العبودية وشقّت البحر الأحمر، عالم الموت، فعبَر الشعب إلى أرض الحرية، فكان لهم الفِصح الأوّل.
بهذه العلامات، صنع الله آيات خلاصيّة أعطت أبعاداً ورموزاً للصّليب الذي سَيصنعه الرّومان ليسوع من خشب السّرْو، فتكتمل كلّ الصوَر اللاهوتيّة ساعة يُرفع الربّ عليه، ويجذب البَشر نحوه.
فيَا عزيزي القارئ ، هل تساءلتَ يومًا لماذا نزرَع شجر السّرْو على المقابر؟
لأنّه رمز القيامة. لأنّ مِن هذا الشجر صُنعَت أوّل علامة خلاصٍ، هي سفينة نوح، ومن هذا الشجر دُعّم هيكل سليمان ومنه صُنع الصّليب… فأصبح رمز القيامة والانتصار على الموت.
كان الصّليب قبلاً، رمز العار والمذلّة وقال الكتاب: ملعون ٌكلّ من عُلّق على خشبةٍ، لكن مع يسوع أصبح الصّليب رمز القيامة فلا عجب مِن أنّ هذا النّجار الإلهيّ استطاع أن يخلّص البَشر ويصِل أرضهم بِسمائه بِعارضتَين وثلاثة مسامير، وبالحبال أوثق الشيطان ورَماه في الهوّة…
إنّه حقًا لَنجّارٌ ماهرٌ وبارعٌ لأنّه زيّن كنيستَه بِتحفة الخلاص البديعة، أي الصّليب، وسيأتي بمجده العظيم في يوم الدّينونة، وعلامة ابن الإنسان تشِعّ بمجدٍ وتراها كلّ الخليقة.
بالصّليب نَنتصِر، وبالصّليب يعبُر موتانا إلى السّماء، وبالصّليب نقْهَر الأبالسة، وبالصّليب نبارِك ونقدِّس عائلاتِنا، فيا محبّي المسيح اتخِذوا الصّليب سلاحًا لكم، لأنّ أبوابَ الجحيم سقطَت أمام قوّته، ولا تنسوا أنّ يسوع اتّحد به كما يتّحد العريس بِعروسه، وكانت ثمرة حبّه له أن وُلِدَت الكنيسة من جنبه.