“سامِريٌّ في الطّريق” (لو 10: 25-32)
بقلم الخوري لويس سعد،
ماذا لو لم يمرّ سامريٌّ مِن تلك الطريق التي يَدعوها القدِّيس إيرونيموس “طريق الدِّماء” أو “الطّريق الحمراء” لِكثرة الضّحايا التي سَقطَت عليها، وما أكثر طُرقات الدّم في عالمِنا اليوم ويا لكثرة عدد ضحاياها! كأنّ الله يَبحث دائماً عن سامِريٍّ لِيَطلب منه أو منّي أنْ أعبُر من تلك الطّريق. ولكن، مَن قد يكون قَريبي كما سأل الفرّيسيّ؟ ما أكثر مَعاني كلمة “قريب” بالنسبة لنا! ولكن، عندما نجدُه، هل سنَعرف، ونَقبَل، ونؤمن بأنّه ذاك القريب الذي تكلّم عنه المسيح؟ أو سنَعرض عنه لِنَبحث عن آخر؟
أو أنّنا سنَكون كالكاهن واللّاوي اللّذَين جازا عنه؟ ولكن كون الطّريق قائمةٌ فمَخاطرها محتملةٌ، إذاً فلا بدّ مِن أنْ يعبُر ذاك السامريّ الصالح.
يُقال إنّ الطّريق تَبدأ من أورشليم المرتفعة عن سطح البحر 2300 قدم والبالغ طولها 20 ميلاً لِتَصل إلى أريحا التي تَنخفض عن سطح البحر 3600 قدم، كأنّنا بمسيرةٍ في هذا الوادي، وادي الدّموع أو كأنّ مسيرتنا هذه ليْست لِلعبور فحَسب، بل لمساعدةِ جميع العابِرين الّذين، ولِسببٍ معيّنٍ توقفوا في وسط الطّريق أو تعثَّروا فيها. فمَن يستطيع أنْ لا يغضّ طرفه عن مساعدة مَن سقَط في نصف الطريق؟.
وقد قام السامريُّ بِسبعة أفعالٍ، تَرمز بِعددِها إلى كمال العَمل وعَظمته، ونَستطيع قراءتها من مَنظورٍ آخر، بِأبعادِها: الإنسانيّ، والعلائقيّ، والطبيّ، والتّجاريّ، والسّياحيّ، والاجتماعيّ، والرّوحيّ.
فما هِي هذه الأفعال؟
– جاء إليه: يُقال في العاميَّة (لاقيني وما تطعميني)، وهذا اعترافٌ بِوجود الآخر، ومَعرفة حالتِه والنّظر فيها، وهذه هي الإنسانيَّة.
– تحنَّن عليه: وهو الشّعور بالإنسان والمشاركة في مُصابِه والرّغبة بِتَخفيفِها وهذه قمّة الحياة الروحيَّة.
– تَقدَّم منه: أي خَصَّه وأصبَح في دائرتِه، بمعنى المشاركة وهذا نُصف الشّفاء.
– ضمَّد جِراحاتِه: للطبّ حدودٌ لأنّه يتعلّق بِشفاء الجَسد فقط، ولكن حِين يتخطّى الحدود يَطال الجَسد والرّوح معاً وتُبنى الجسور بين النّاس وتُعزَّز الأخوَّة البشريّة
– صبَّ زيتاً وخمراً على جَسده: زيت التّعزية يُعطيه الرّوح حين يَنساب مِن أيدِينا ليَلمس جِراح مَوت الآخر، فيَحيا مِن جُرعة الخمرة التي هي مَرارة عُصارة الصّليب المسكوبة لتُصبِح حلاوةً روحيّةً تَلِد حياةً جديدة.
– أتى به إلى فندقٍ: الفندق كنيسةٌ، والعناية أسرارُها، وكلّ تعبٍ للخدّام أجره محفوظٌ، لأنّ الربّ قال: “ومَن سَقى أحدَ هؤلاء الصّغار، ولو كأسَ ماءٍ باردٍ لأنّه تلميذٌ، فالحقّ أقولُ لكم إنّ أجرَه لنْ يُضيع” (مت 42:10).
– إعتنى به: لأنّ هناك عَودةٌ للمسيح، ليَدفع الأجر لِلقريب ويَعود للطّريق نفسِها، حيث وجود قريبٍ آخر. فهل تُريد أو نُريد أن نَتبعه في الطّريق أو أنْ نَعرض عنه ونمضي؟.
يا أيّها المسيح الرَّحوم ارْحَمنا واجعَلنا راحمِين في كلّ الطرق التي نَسلكُها، آمين.