تفسير الكتاب المقدّس،
الأب ابراهيم سعد،
“سِفر رؤيا القدّيس يوحنّا – الإصحاح 2: 1-11”
النّص الإنجيليّ:
“اُكتُبْ إلى ملاكِ كنيسةِ أَفسُسَ: “هذا ما يَقولُه الـمُمْسِكُ السَّبعةِ الكَواكِبَ في يَمينِه، الماشي في وَسَطِ السَّبْعِ الـمَنايرِ الذَّهَبيَّة: أَنا عارفٌ أعمالَكَ وتَعَبَكَ وصَبرَكَ، وأَنَّك لا تَقدِرُ أن تَحتَمِلَ الأشرارَ، وقَد جرَبْتَ القائلِينَ إنَّهم رُسُلٌ ولَيسُوا رُسُلاً، فَوَجَدْتَهُم كاذِبينَ. وقَدِ احتَمَلْتَ ولَكَ صَبرٌ، وتَعِبْتَ مِن أجلِ اسْمي ولَم تَكِلَّ. لَكِنْ عِندي عَليْكَ: أنَّك تَرَكْتَ مَحبَّتَكَ الأُولى. فاذْكُر مِن أينَ سَقَطْتَ وتُبْ، واعْمَلِ الأعمالَ الأُولى، وإلَّا فإنِّي آتِيكَ عَن قَريبٍ وأُزَحزِحُ مَنَارَتَكَ مِن مكانِها، إنْ لَم تَتُب. ولَكِن عِندَكَ هَذا: أَنَّكَ تُبغِضُ أَعمال النُّقولاويِّين الّتي أُبْغِضُها أنا أيضًا. مَنْ لَهُ أُذُنٌ فَليَسمَع ما يَقولُه الرُّوحُ للكَنائِسِ. مَن يَغلِبُ فَسَأُعطيهِ أنْ يأكُلَ مِن شَجرةِ الحَياةِ الّتي في وَسَطِ فِردَوسِ اللهِ”.
واكْتُب إلى ملاكِ كَنيسَةِ سِمِيرْنا: “هذا يَقُولُه الأوَّلُ والآخِرُ، الّذي كان مَيتًا فَعاشَ: أنا أعرِفُ أعمالَكَ وَضِيقَتَكَ وَفَقْرَكَ مَعَ أَنَّكَ غَنيٌّ. وتَجديفَ القائِلينَ: إنّهم يَهُودٌ وَلَيسُوا يَهودًا، بل هُم مَجمعُ الشَّيطانِ. لا تَخَفْ البَتَّةَ مِمّا أنتَ عَتيدٌ أنْ تتألَّمَ بِهِ. هُوذَا إبليسُ مُزمِعٌ أنْ يُلقِيَ بَعضًا مِنكُم في السِّجنِ لِكَي تُجَرَّبوا، ويَكونَ لَكُم ضِيقٌ عَشَرَةَ أيّامٍ. كُن أمينًا إلى الموتِ فسَأُعطيكَ إِكليلَ الحَياةِ. مَن لَهُ أُذُنٌ فَليَسمَعْ ما يَقولُهُ الرُّوح للكنائسِ. مَن يَغلِبُ فلا يُؤذِيهِ الموتُ الثَّاني”.
شرح النّص الإنجيليّ:
إنَّ هذا النَّص من سِفر الرُّؤيا، يبدأ بعبارة “أُكتب”، للدَّلالة على أنّ ما يكتبه يوحنّا هو بأمرٍ من الرُّوح. إنَّ عبارة “ملاك كنيسة” تعني المسؤول في الكنيسة، أي ما يُعرَف في أيَّامنا هذه بالأُسقف، فإنَّ كلمة “ملاك” في اللُّغة العِبريّة تعني الرَّسول الّذي تُوكَل إليه مهمَّة إيصال الرِّسالة إلى الآخَرين، وهذه هي مهمَّة الأسقف الأساسيّة: إيصال مشيئة الله إلى الشَّعب المؤمِن، الآن وهُنا.
على الأُسقف إيصال الرِّسالة الإلهيّة إلى المؤمنِين اليوم والآن، فيتمَّكن المؤمِنون من اتِّخاذ موقفٍ منها، إمّا بقبولها وإمّا برفضها، فالوقوف على الحياد غير مفيد، إذ يقول الربّ: “أمّا وأنتَ فاترٌ، لا حارّ ولا بارد، فسأتقيّأُكَ مِن فَمي”(رؤيا 3: 16). إنّ المناير السَّبع تشير إلى الهيكل اليهوديّ. إنَّ الرُّوح يمدح الرَّسول على صَبره في الـمِحن، ولكنّه يَلومُه على تراجع محبّته الأوّلى، لذا يدعوه إلى التَّوبة إذ إنَّ الله يعتبر نِسيان الرَّسول لمحبَّـته الأولى خطيئة.
إنَّ الله يُذكِّر الرَّسول أنَّ مسؤوليّة الأسقف أو ملاك الكنيسة ليست مسؤوليّة أبديّة، بل هي مسؤوليّة مُعَرَّضة للزعزعة، عند وقوع هذا الأخير في الخطيئة. إنَّ النُّقولاويِّين هم مجموعة من المؤمِنِين الّذين ضلّوا طريق الربّ في اتِّباعهم لشخصٍ يُدعى نيقولاوس، الّذي كان ينشر تعاليم مناقضة لتعاليم الربِّ، لذا كان الرَّسول، أي ملاك كنيسة أفسُسَ في مواجهةٍ دائمةٍ معهم. في العهد القديم، يذكر لنا كاتب سِفر التَّكوين أنَّ الإنسان قَد مُنِع مِن تناول ثِمار شجرة الحياة، إذ إنَّ الربَّ لم يكن يريد أن يعيش الإنسان حياةً أبديّة بمحبَّةٍ ناقصة. لذا يقول لنا الربُّ من خلال الرُّوح الّذي أرسلَه إلى يوحنّا إنَّ المؤمِن الّذي ينال الغلبة بفضل صَبره على الـمِحَن، سيمنحه الربُّ نِعمة الأكل من ثِمار شجرة الحياة.
إنَّ “سِميرنا” هي مدينة إزمير في تركيا الحاليّة، وهي إحدى الكنائس السَّبعة في آسيا الصُّغرى الّذي طلبَ الرُّوح من يوحنّا الرَّسول الكتابة إليها. إنَّ الّذي كان “ميِّتًا فَعاش” هو الربُّ يسوع. إنّ عبارة “الأوَّل والآخِر” هي عبارةٌ تُشير إلى الله، وقد أُعطِيَت للابن ممّا يشير إلى ألوهيّة الربِّ يسوع، وبالتّالي إلى مساواة الآب بالابن. إنَّ الربَّ يتكلَّم على موتٍ ثاني، وهذا يؤكِّد وجود موتٍ أوَّل هو الموت الجسديّ، أمَّا الموت الثّاني فهو لن يطال الّذين يعيشون بحسب تعاليم الربِّ. في الإصحاحَين الثّاني والثّالث، تتردَّد عبارة: “مَن يَغلِب” 7 مرّات، مع تغيير في القسم الثّاني من الجملة، ليُخبرنا في الختام أنّ “مَن يَغلِب كما غَلبْتُ أنا”، فالربُّ يدعونا إلى التشبُّه به هو الّذي غلب الموت بقيامته.
وبالتّالي، إنَّ كتاب سِفر الرُّؤيا هو كتاب تعزية للمؤمِنِين وتقوية لهم في وقت الشِّدة والصُّعوبات الّتي تقودهم إلى التَّساؤل حول مدى جدوى إيمانهم بالربّ. في هذا النَّص، نلاحظ تركيز الرَّسول على أهميّة الصَّبر في وقت الشِّدة، وعلى المحافظة على المحبّة الأولى في قلب المؤمِن، وعلى أنّ إبليس سيسعى إلى زعزعة المؤمِنِين في إيمانهم بالربّ من خلال تجاربه لهم. ويُخبرنا هذا النَّص أنّ الضّيق سيكون لمدّة عشرة أيّام، والمقصود بعبارة “عشرة أيّام”، مُدّة زمنيّة قصيرة ومؤقتة.
إنَّ المحبّة الأولى لا يمكن للإنسان أن يفهمها إلّا حين يتذكَّر اشتعال قلبه للمرّة الأولى بالحبّ، فيتذكّر أنّ الزَّمن كان العدوّ الأوّل لقوّة الحبّ. وعند قراءتنا لعبارة “ترَكْتَ محبَّتك الأولى”، يُطرح السَّؤال: هل المقصود بتلك المحبّة الأولى محبّة الإنسان لله في لقائه الأوّل، أم اكتشافه محبّة الله له في المرّة الأولى؟ إنّ الإنسان يستطيع أن ينسى اكتشافه للمرة الأولى محبّة الله، إذ إنّ محبَّته لله خاضعة للتغيير فهي مرتبطة بمزاج الإنسان نفسه وأهوائه. إنَّ عدم قبول الإنسان لمحبّة الآخر خصوصًا في وقت الشِّدة، تُنشئ تباعدًا بين البشر وهذا يؤدِّي إلى شعور الجماعة البشريّة بالضُّعف: فالمجموعات البشريّة المتماسكة تشعر بالقوّة في مواجهتها للصُّعوبات، على عكس المجموعات البشريّة المتباعدة الّتي تشعر بالتَّعب والإرهاق عند مواجهتها لأصغر الشَّدائد.
في هذا الزَمن، زمن الصُّعوبات، نحن بأمسّ الحاجة لتَذكُّر محبّة الله لنا، ومحبّتنا لله، ومحبَّتنا لبعضنا البعض. وهذه الأنواع الثّلاثة من المحبَّة مترابطة بعضها بِبَعض: فما إنْ تَفتُر إحدى هذه الأنواع من المحبّة، حتّى تتأثّر الاثنتان الأُخريان بهذا الفتور؛ وما إنْ تشتعل واحدة منها حتّى تشتعل الأُخريان. وهذا ما يقوله لنا يوحنّا الرّسول في إحدى رسائله: إنّه كاذب كلّ مَن يدَّعي أنّه يُحبّ الله الّذي لا يراه وهو لا يُحبُّ أخاه الّذي يراه. إنّ سبب كُلِّ خطيئة هو نِسيان الإنسان للحُبّ الأوّل: أوّلاً نسيانه لحبّ الله له، ثانيًا نسيان حبِّه لله، وثالثًا نِسيان حُبِّه للآخَرين. إنّ كلّ أزمة يتعرَّض لها كلُّ مجتمع تكمن في نسيانه لهذا الحبّ الأوّل، الّذي نتكلَّم عنه.
إنَّ المحبّة سرٌّ لا يُدرِكه الإنسان إلّا متى وَقع فيه، لذا يُستخدم فِعل “وَقع في الحبّ” في كلِّ اللُّغات للتَّعبير عن حالة الإنسان العاشق. إنَّ فِعل الحبّ ليس فِعل إرادة، بل هو فِعل تتلّقى نتائجه عند وقوع الإنسان فيه. إنّ اختفاء الحبّ من حياة الإنسان يؤدِّي إلى تباعد بين النّاس وهذا يؤدِّي إلى خلق غُربةٍ بين البشر، وبالتّالي إلى خصومةٍ من دون أسبابٍ واضحة، نتيجة نَقصٍ في الـحُبّ. في الآيات الثّلاث الأولى من هذا الإصحاح، يُخيَّل إلينا أنَّ أُسقف أفسس هو إنسانٌ قدِّيس، غير أنَّ الآية الرَّابعة تُظهر ملامة الله لهذا الأُسقف على نِسيانه للمحبّة الأولى. كان أُسقف أفسُسَ يسير وِفق الشَّريعة الّتي تَعلَّمها غير أنّ شريعة الحُبّ هي شريعةٌ قائمةٌ بِحَدِّ ذاتها، لا تندرج ضمن الشَّريعة المكتوبة.
إنَّ أكثر النّاس إدانةً للآخَرين هُم أولئك الّذين يعتقدون أنّهم الوحيدون الّذين يسيرون وِفق الشَّريعة، أمَّا الآخَرون فلا. إنَّ المحبَّة هي انتباه الإنسان للآخر وتلبية حاجاته لا رغباته. إنَّ سَعي المؤمِن إلى عيش المحبَّة مع الآخَرين انطلاقًا من هذه النظريّة، تؤدّي إلى تَحرُّرِه تلقائيًّا من روح الإدانة، والحكم على الآخَرين: إذ حين يتعرَّض المؤمِن للأذيّة، يُدرِك أنَّ تلك الأذيّة ناتجة عن نقصٍ في تلبية حاجات الآخر. لذلك، حين يملك المؤمن هذه القدرة على المحبَّة، يُدرِك أنّ الله يُعيِّنه طبيبًا على أخيه الإنسان الّذي توجَّه إليه بالأذيّة لمساعدته. حين يدين المؤمِن أخاه الإنسان الّذي تعرَّض له بالأذيّة، فإنّه يساهم في بقاء الإنسان الخاطئ في خطيئته، وعدم رغبته في إعلان توبته.
إنَّ كلَّ مجتمعٍ لا يتوب عن خطاياه، هو مجتمعٌ قد ترَكَ تلك المحبَّة الأولى، ورفضَ العودة إليها. إنَّ التَّوبة هي كلمةٌ عِبريّة الأصل، مُشتَّقة من فِعل “شابَ” أي تاب، ويعني العودة إلى الله، أي العودة إلى المحبَّة الأولى. إنَّ التَّوبة لا تعني تَرك الخطايا وحسب، بل تعني العودة إلى الله المحبَّة، ممّا يؤدِّي إلى تخلِّي الإنسان عن الوضع الخاطئ الموجود فيه. إذًا، التَّوبة هي اعتراف المؤمِن باكتشافه لمحبّة الله وغفرانه، لذا يُعلِن لله أمام الكاهن قباحة الوضع الّذي كان يعيش فيه، تعبيرًا عن جدِّيَته في قبول غفران الله له، لا في بحثه عن مصلحته الخاصّة مع الله. إنَّ الابن الشّاطر قرَّر العودة إلى أبيه عندما شعر بالجوع، إذ اكتشف النَّعيم الّذي يعيشه العبيد في بيت أبيه.
وعندما عاد الابن الشّاطر، رآه أبوه فخرج للقائه مسرعًا، وقبَّله على عنقه، قبلة الأب لابنه، وألبسَه الخاتم للدَّلالة على أنّه ما زال وريثًا له، وألبسه الحذاء للدَّلالة على أنّه سيِّدٌ في هذا المنزل لا عَبدٌ، وألبسه الحلَّة الجديدة للدّلالة على ملوكيّته. إذًا، إنَّ الله مستعدٌّ أن يعيد الإنسان إلى حالة الملوكيّة، حين يُقرِّر الإنسان العودة إلى محبَّته الأولى، حتّى وإنْ كان هذا الأخير قد بدَّد ملكوت الله في ارتكابه الخطايا، في الماضي. إنَّ مشكلة الإنسان تكمن في تصويب نظره على خطيئته والسَّعي إلى التخلِّي عنها، عِوضَ تصويب نظره على الله والسَّعي إلى العودة إليه، لذا يفشل في الإفلات من خطيئته الّتي تستعبده، لأنَّه حين يصوِّب نظره إلى الله، تتلاشى الخطيئة تلقائيًا وتختفي من حياة الإنسان.
وهنا نتذكَّر قول الربِّ لنا، إنّه حين نعرف الحقّ، فالحقّ يُحرِّرنا؛ ونحن نُضيف قائلِين: حين نعرف المحبّة فالمحبَّة تُحرِّرنا. إنَّ المحبّة لا تُعاش فرديًّا، بل ضمن جماعة، وبالتّالي وجود الجماعة يساعد المؤمنِ على التحلِّي بالصَّبر لتخطِّي الصُّعوبات. إنَّ هذا الزَّمن هو زمن سِفر الرّؤيا عند المسيحيّين: إنَّ الله قد حرَّرنا من كلّ عبوديّة، وبالتّالي لا يجوز لنا الوقوع في عبوديّة زعمائنا، والابتعاد عن إخوتنا في الإنسانيّة بِسبَبِهم. بفقدان المحبّة، يفقد الإنسان القدرة على الصَّبر على الآخَرين وعلى أوجاعهم، وتزول الألفة بين النّاس، ويفقد القدرة على التمييز.
إنَّ الرُّوح يقول لنا اليوم: “من يغلبُ فسأُعطيه من شجرة الحياة”. إنَّ آدم لم يُمنَع من أكل ثمار شجرة الحياة لأنّه أخطأ بل لأنّ الله اكتشف نقص المحبّة عنده، لذا منعه من أكل ثمار هذه الشَّجرة، كي لا يعيش حياةً أبديّة بمحبَّةٍ ناقصة، إذ يفقد آدم قُدرته على الصَّبر والمحبّة. إذًا، رحمةً بالإنسان، وَضع الله ملاكَين على باب الفردوس، كي لا يقترب الإنسان من شجرة الحياة ويتناول من ثمارها، فيعيش حياة أبديّة بمحبّةٍ ناقصة. إنَّ الله يدعونا للعودة إلى المحبّة الأولى كي نتمكَّن من تناول ثمار شجرة الحياة.
يوجِّه سِفر الرُّؤيا كلامه إلى كلّ إنسانٍ مؤمنٍ معرَّضٍ للاضطهاد بسبب إيمانه بالربِّ يسوع، ويدعوه للثَّبات في إيمانه بَدلاً من قبوله بمغريات هذه الحياة. للأسف، في زمننا الحاضر، تسعى غالبيّة المؤمِنِين إلى استبدال الإله الحقيقيّ بآلهة وَثنيّة. غير أنّ هناك قِسمًا ضئيلاً من المؤمِنِين لا زال ثابتًا في إيمانه، وهو يشكِّل الخميرة في هذا العالم المظلم. إنّ سِفر الرُّؤيا يدعونا لعدم الاستهانة بحداثتنا، ولا بإمكانيّاتنا مهما كانت ضئيلة، إنْ كُنّا ثابتين في الإيمان بيسوع المسيح. كَتب يوحنّا الرَّسول سِفر الرُّؤيا من منفاه، إلى المؤمِنِين الّذين يتعرَّضون للاضطهاد. فيُوحنّا الرَّسول، كان رَجُلاً عجوزًا يناهز التِّسعين من العُمر، مَنفيًا في جزيرة بطمس، يعاني من الغُربة والضِّيق، لذا قال في الإصحاح الأوّل: إنّه شريكٌ للمؤمِنِين في الضِّيق والملكوت والصّبر.
إنَّ التعلُّق بالمحبّة الأولى هو التِّرس والدِّرع للمحافظة على نفوسكم من الاضطهادات الّتي تعانون منها. على المؤمنِ التحلِّي بالرُّوح النبويّة في ظلّ الصُّعوبات على مِثال النبيّ إيليّا الّذي اتَّهمته الملكة إيزابيل بأنّه مُقلق إسرائيل، لأنّه لم يرضَ بالمساومة على الحقّ.كذلك يوحّنا المعمدان الّذي تعرَّض للقتل بسبب إعلانه كلمة الحقّ وعدم مساومته عليها. إنَّ كلمة الحقّ هي الكلمة الوحيدة الّتي لا انتهاء لتاريخ صلاحيّتها، فهي تبقى صالحة لكلّ الأزمنة والأوقات حتّى وإنْ رَفض المؤمِنون الانصياع لها. إنّ كلمة الحقّ الّتي أعلنها أشعيا لم يقبل بها الشَّعب آنذاك، لذا طلب أشعيا من تلاميذه دَفن كلمة الحقّ في الأرض، عسى أن يأتي أحدهم ويكتشف هذا الكنز ويؤمِن به. بعد مرور حوالي ثماني مئة سنة على كلام أشعيا، جاء متّى الرَّسول واستشهد بكلام هذا النَّبي قائلاً:
“ها إنّ العذراء تَحبل وتَلِد ابنًا ويُدعى اسمه عمانوئيل أي الله معنا” (متّى 1: 23). فلو لم يتحلَّ القدِّيسون بالصّبر على شدائدهم لما كانت وصلت إلينا كلمة الله. إنَّ قوّة القدِّيسِين لا تكمن في العجائب، إنّما في تعلُّقهم بالمحبّة الأولى. وبالتّالي، على المؤمِنِين التعلُّم مِنَ القدِّيسِين ثباتهم في كلمة الحقّ وتعلُّقهم بمحبِّتهم الأولى للربّ.
إخوتي، إنّ دعوة الربّ لنا هي أن نتقوَّى ونتشدَّد، لنتمكّن مِن غَلبة رسالة العالم الّتي تدعونا إلى اليأس، وبالتّالي يدعونا الربُّ إلى النَّجاة من الموت الثاّني، لأنّ “من يغلب فلا يؤذيه الموت الثاني”. آمين.
ملاحظة: دُوِّن الشرح بأمانةٍ مِن قِبَلِنا.