تفسير الكتاب المقدّس،
الأب ابراهيم سعد،
“سِفر إشعياء النبيّ – الإصحاحات التاليّة: 1 – 6 – 58”
اليوم، سنبدأ بمقتطفات من نصوص لأنبياء العهد القديم. سنجري قراءة لكلّ نصّ من أجل التّركيز على جانب من جوانبه وتوضيحه مما سيساعدنا في التحرر من تراكمات التّعليم الّذي يوهمنا أنّ العهد القديم غير صالح، أو يطرح في أذهاننا أسئلة مثل: “لماذا لانزال نعتمد على العهد القديم وقد أصبح العهد الجديد بمتناول يدَينا؟” والجواب هو: لأنّ هناك أموراً غير واضحة للنّاس فهُم يُخطئون بين تصرّفات النّاس في العهد القديم وكلمة الله إلى حدّ أنّهم أصبحوا يلومون الله على تصرّفات النّاس القاسية أو لغتهم القاسية، غير المعتادين عليها، وكأنّ الله كان يختلف عمّا هو عليه اليوم. لذلك هناك أشخاص أصبحوا يرفضون إله العهد القديم، حتّى في الكنيسة الأولى كانت هناك هرطقات، فيسمّونه الإله الخالق، الإله الظّالم. هم يريدون فقط إله العهد الجديد، إله المحبّة، إله الرّحمة وقد نسَوا أنّ إله العهد الجديد، في بعض الأحيان، هو أقسى بكثير من إله العهد القديم.
إن كلمة الله، قديماً أو حديثاً هي نفسها لأنّ الهدف الّذي وضعه الله للإنسان هو نفسه، لكنّ الإنسان هو الّذي ابتعد عن هذا الهدف. ولأنّ الله يحبّ الإنسان، فإنَّ كلّ همّه هو أن يدلّ الإنسان، من جديد، على الطّريق، وأن يصحّح مساره. لذلك الأنبياء هم وسيلة من وسائل الله ليُصحّح مسار الشّعب الّذي قال أنّ هذا هو إلهنا وسنتبعه. واحدة من هذه الوسائل هي أسفار الأنبياء. المسألة، هنا، لا تتعلّق بالنّبيّ وقداسته وخيره، ولا تتعلّق أيضاً بالشّعب وقداسته وسيّئه بل بكلمة الله فهي المحور وليس برأيك فيها أو رأيي فيها فنصبح في النّهاية نناقش آراءنا، فتضيع كلمة الله. وهذا الأمر أذكى ما يمكن أن يحصل في علم اللاهوت. فالمختصّون فيه معرّضون للوقوع في متاهات إذ يعطون آراءهم في كلمة الله وينسون أنّ كلمة الله هي الّتي تعطي رأيها فيهم، فالمسألة مرتبطة بطريقة تفكيركم.
سنقرأ الآن الإصحاح السّادس من سفر أشعياء لنرى صورة من هذه الصّور الّتي أخبرتكم عنها، وقد اخترت هذا الإصحاح لأنّه يعرض لنا دعوة أشعياء: “في سنة وفاة عوذية الملك، رأيتُ السّيّد جالساً على كرسيّ عالٍ ومرتفعٍ وأذيالهُ تملأ الهيكل، السّيرافيم واقفون فوقه ولكلّ واحدٍ ستّة أجنحة. باثنين يغطّي وجههُ وباثنين يغطّي رِجلَيْه وباثنين يطير. وهذا نادى ذاك وقال: قدّوس قدّوس قدّوس ربّ الجنود مجدهُ مِلءُ الأرض فاهتزّت أساسات العتب من صوت الصّارخ وامتلأ البيت دخاناً”.
إذاً، لقد بدأ الكلام بقوله: “في سنة وفاة الملك” وأنتم تعلمون أنه إن مات الملك ولم يكن قد عُيّن من يخلِفهُ يصبح وجود المملكة في خطر لذلك يقتضي “البروتوكول” ألّا يكون هناك وقتٌ زمنيٌّ تبقى فيه المملكة من دون ملك، فيصرخون: مات الملك، عاش الملك. (في الأفلام الّتي تُصوّر أوروبا الوسطى، كانوا يدبّرون المؤامرات لكي يخلعوا ملكاً أو يتوّجوا آخر، من جهة، ومن جهة أخرى ابن الملك هو أمير وليس ملكاً ثانياً، عندما يموت الملك ويعلنون موته، يعلنون الأمير ملكاً في لحظة موت أبيه الملك. مثل آخر عن ملك الأردن الّذي توفي في بريطانيا فلم يُعلنوا وفاته حتى استطاعوا أن يُنحّوا الأمير حسن، أخ الحُسيْن، ونصّبوا الأمير عبدالله. عندها أعلنوا موت الملك وتولّي الملك الجديد الحكم). المملكة اسمها مملكة لأنّ هناك ملك يحكمها وليس العكس، لأنّ الملك هو الأساس. ولأنّه قال “في سنة وفاة الملك” أي أنّه يجب أن يكون هناك ملك آخر فقال “رأيتُ السّيّد”.
ويقصد الكاتب بالسّيّد الله، أما أذياله الّتي تملأ الهيكل فهي سلطته الّتي يبسطها في كلّ الهيكل، وهو يتحدّث عن ملكيّة الله. إذاً النّبيّ أشعياء يقول أنّ الملك، الّذي يعتبرهُ الشّعب ملكاً، يموت، ولكن هذا الملك، أي الله، الجالس على كرسيّ – والكرسي في العبريّة يعني العرش- ولا أحد يجلس على العرش إلّا الملك. (حتّى في الكنائس، عند الرّوم، هناك كرسيّ للمطران، ثمين جدّاً، يبقى فارغاً حتّى يأتي المطران فلا أحد يستطيع الجلوس عليه حتّى لو لم يكن المطران موجوداً).
إذاً، الملك الّذي يتكلّم عنه Yشعياء مختلفٌ، والملائكة هي الّتي تخدمهُ لا الحاشية البشريّة. والأجنحة السّتّة تعني أنّ الملائكة كثيرة الخدمة. ولكنَّهم خوفاً من هذا الملك العظيم وخجلاً منه يسترون أنفسهم ويصرخون “قدّوسٌ” ثلاث مرّات رمزاً للألوهة، فالقدّوس هو فائق القداسة، مِلء القداسة موجود في هذا الملك. وقال مجدهُ ملء الأرض كلّها لا الهيكل فقط، إذاً هو مَلكٌ على المسكونة كلّها. أمّا الدّخان في لغة الأدب في العهد القديم، فهو يعني حضور الله. ففي العهد القديم، عندما كان الشّعب يمشي، كان يرافقه عمود من الدّخان ما يعني أنّ الله يرافقه. إذا أردتم أن تنظروا إلى الصورة من منظارٍ أدبيّ، الكاتب يستخدم التّصوير ليوضح عظمة هذا الإله، سلطتهُ وقدرتهُ، فكان جواب الإنسان: “فقلتُ: ويلٌ لي إنّي هلكتُ لأنّي إنسانٌ نجس الشّفتَيْن وأنا ساكنٌ بين شعبٍ نجس الشّفتَيْن لأنّ عينيّ قد رأتا الملك ربّ الجنود”. إذاً أشعياء هو واحدٌ من هؤلاء القوم والله سيختار واحداً منهم، ولا تهمّهُ سيرته الذّاتية ولكن ما يهمّه هو أن تصل كلمته إلى الجميع. وهو عندما رأى الله اكتشف أنّه نجس الشّفتيْن.
إذاً حضور الله يفضح حقيقة الإنسان، ولكنَّ الله يريد أن تصل كلمته؛ “فقال: فطار إليَّ واحدٌ من السّيرافيم بيده جمرةٌ قد أخذها بملقطٍ من على المذبح ومسّ بها فمي وقال إنّ هذه قد مسّت شفتَيْك فانتُزِع إثمك وكُفِّر عن خطيئتك”. إذاً لقد طهّر الله شفتَيْ إشعياء لا قلبه وكيانه لأنّه بحاحة إلى شفتيْه فقط ليوصل كلمته. ليس الشّرط أن تكون قدّيساً لكي توصل كلمة الله، فأمام قداسة الله ستبقى نجساً. وكلمة نجس تضعك أمام قداسة الله فلا تستطيع أن تتحلى بالقداسة لأنّك إنسانٌ خاطئ. تُضيئ ألوهة الله عليك فتُكشف خطيئتك، عندئذٍ يبدأ الحوار بينك وبين الله. بعد أن مسّت الجمرة شفتيْه يقول له الله أنّه أصبح يشبههُ وأصبح واحداً منهم.
المسألة أن تصل كلمة الله دون أن يعترضها أحد. “ثمّ سمعتُ صوت السّيّد قائلاً: مَن أُرسل ومَن يذهب من أجلنا؟” لأنّ إشعياء قبِل الذّهاب وأصبح طاهرَ الشّفتيْن ومن دون خطيئة فأصبح من جماعة الله لذلك تحدّث الله في صيغة الجمع “من أجلنا”. أي أنّ الله الملك لا يكون وحده بل حوله حاشيةٌ مؤلّفة من الملائكة الّتي تخدمه وواحدٌ منهم أصبح إشعياء النّبيّ. “فقلتُ: هاءنذا أرسلني، فقال: اذهبْ وقلْ لهذا الشّعب: اسمعوا سمَعاً ولا تفهموا، أبصروا إبصاراً ولا تعرفوا … قلبَ هذا الشّعب، ثقّلْ أذنيْه واطمسْ عينيْه لئلَّا يُبصر بعيْنيْه ويسمع بأذنيْه ويفهم بقلبه ويرجع ويشفى”. إذاً يقول له الله أن يذهب ويبلّغهم كلمات إذا سمعوها لن يفهموها لأنّهم لا يريدون أن يفهموها، وأنّ يُثقّل أذنيْهم ويطمس عينيْهم في حال قرّروا أن يتوبوا. إذاً النّبيّ عندما يوصل كلمة الله هو يوصل حكمه النّهائيّ أو الدّينونة، أي أنّ كلمته هي الكلمة الفصل لأنّ الله كلّم شعبه ولم يفهم، ولم يتبْ. لذلك أرسل الله لهم النّبيّ لكي يعطيهم الحكم النّهائيّ. النّبيّ أشعياء جلب كلمة الدّينونة التي تصبح بالنّسبة للّذين يقرؤونها الآن، أي نحن، كلمة وعظ لذلك تقرأون الكتاب المقدّس ولأنّكم لم تموتوا بعد فأنتم تملكون الفرصة. (إذا كنتم تذكرون عندما سألوا أبّ اليسوعيّين: “إن كنتَ جالساً وفجأةً جاء الملكوت، جاء المسيح وأنت تلعب بالورق ماذا تفعل؟ فأجابهم: أتابع اللّعب”). بمعنى آخر، النّبيّ يأتيك برسالة النّهاية، أي نهايتك، نهاية وضعك. يتابع إشعياء وقد أصبح شفيع النّاس: “فقلتُ: إلى متى أيّها السّيّد؟ إلى أن تصير المدن خربة بلا ساكن (هذه صورة النّهاية) والبيوت بلا إنسان فتخرب الأرض، وتُقفر، ويُبعد الرّبّ الإنسان، ويكثُر الخراب في وسط الأرض، وإن بقي فيها عِشرٌ بعدُ فيعود ويصير للخراب. ولكن كالبُطمة والبلّوطة وإن قُطِعت فلها ساقٌ يكون ساقُهُ زرعاً مُقدّساً”. عندما نقطع شجرةً تنتهي ولكن يبقى الأمل فيها في جذورها حيث نرى صورتيْن، إمّا التّأكيد على أنّ الشّجرة قد ماتت وإمّا إمكانيّة أن تنبُتَ من جديد.
لِمَ الله قاسٍ إلى هذا الحدّ في دعوة إشعياء؟ الإجابة هي في الإصحاح الأوّل من سفر إشعياء: “إسمعي أيّتها السّموات وأصغي أيّتها الأرض لأنّ الرّبّ يتكلّم (الله يحتاج إلى شهادتيْن، من السّموات والأرض، لتثبُتَ شهادتُهُ): ربّيتُ بنيناً ونشّأتُهم أمّا هم فتمرّدوا عليّ. الثّورُ يعرفُ قانِيَهُ والحمارُ يعرفُ صاحبَهُ (لهذا نجد في أيقونة الميلاد ثوراً وحماراً، أي أنّ الثّور والحمار يعرفان من صاحبيْهما وإسرائيل لم تعرف الله) أمّا إسرائيل فلا يعرف شعبي لا يفهم، ويلٌ للأمّةِ الخاطئة، الشّعب الثّقيل الخطيئة، نسل فاعلي الشّرّ، أولاد مُفسدين تركوا الرّبّ، استهانوا بقدّوس إسرائيل، ارتدّوا إلى الوراء. علامَ تُضربون بعدُ؟ تزدادون زيغاناً، كلّ الرّأس مريض، كلّ القلب سقيم، من أسفل القدم إلى الرّأس ليس فيه الصّحّة. جرحٌ وإحباطٌ وضربةٌ طريّةٌ لم تُعصر ولم … ولم تُليّن بالزّيت، بلادكم خربة، مدنكم محرقة بالنّار، أرضكم تأكلها الغرباء قدّامكم وهي خربة كالقلال الغرباء. اسمعوا كلام الرّبّ يا قضاة صادوم، اصغوا إلى شريعة الإله يا شعب عامورة لكثرة ذبائحكم. يقول الرّبّ: إتّخمتُ من مُحرقات كباش وشحم مسمّنات وبدم عجول وخرفان وتيوس لم أعد أُسرُّ. (أي إنّ الله يرفض عطايا النّاس الّذين كانوا يعتبرونها طريقة لعبادة الله). حينما تأتون لتظهروا أمامي، مَن طلبَ منكم أن تدوسوا دوري؟ لا تعودوا تأتون بتقدمةٍ باطلة (أي فارغة من معناها) البخور هو مكرهٌ لي. رأس الشّهر والسّبت ونداء المحفل (أي الأعياد)، لستُ أطيقُ الإثم والاعتكاف (أصبح الله يعتبر العيد خطيئةً). رؤوس شهوركم وأعيادكم بغضتها نفسي، صارت عليّ ثقلاً، مللتُ حِملها.
حين تبسطون أيديكم أستُرُ عينيّ عنكم، إن كثّرتم الصّلاة لا أسمع. أيديكم ملآنة دماً، إغتسلوا، تنقَّوا، إعزلوا شرّ أفعالكم من أمام عينيّ، كُفّوا عن فعل الشّرّ، تعلّموا فعل الخير (من هول خطايانا، لم يعد الله يريد أن يرانا ولا أن يسمع صلواتنا أو أن يشتمّ رائحة البخّور). اطلبوا الحقّ، أنصفوا المظلوم … لليتيم: حاموا عن الأرملة، (إذاً الخطيئة هي أنّ الإنسان الآخر يحتاج إليكم). يقول الرّبّ: هلمّ نتحاجج (أي نترافع)، إن كانت خطاياكم كالقرمز (أي اللّون الأحمر الدّاكن) تَبْيَضّ كالثّلج، إن كانت حمراء تصير كالصّوف الأبيض النّاعم، إن شِئتم وسمعتم تأكلون خبز الأرض وإن أبيتم وتمرّدتم تُؤكَلون بالسّيف لأنّ فمَ الرّبّ تكلّم”. الله لا يريدك أن تصلّي وتترك يتيماً أو أرملةً أو مظلوماً يحتاج المساعدة، يموت. الله لن يرحمك إذا لم ترحم غيرك، إذاً مقياس الدّينونة عند الله هو الإنسان الآخر. مثلاً في اليوم الأخير، صنّف يسوع النّاس، فالبعض منهم وضعهم عن يمينه والبعض الآخر عن يساره وعندما يقول: “كنتُ جائعاً فلم تُطعموني، عطشان فلم تسقوني” فهو لم يقصد نفسه بل أي محتاج. والعكس صحيح، فإذا فعلتم الخير مع أي محتاج فبيسوع قد فعلتم.
إذاً كلمة الله في العهد القديم وفي العهد الجديد هي نفسها وتعني أنّ الله اعتبر أنّ الإنسان المرميّ على الطّريق هو من غنم شعبه. فقال: “أنا قد أوليْتك رعيّتي وأنت قد تركتها في الطّريق محتاجةً فلن أسمح لك بالتّمرد”. وهذا يعني، في العِبريّة، “بيشاع” أي الخطيئة. هذا تمرُّدٌ لأنّ الله رأى مملكته بصورةٍ جميلةٍ ونحن قد شوّهناها. تقول الصّورة أنّ كلّ شعب الله تحت رعايته، وقد اختار أشخاصاً ليهتمّوا بشعبه، فاعتقد هؤلاء الأشخاص أنّ هذه الرّعية ملكهم وأنّ من حقّهم أن يختاروا الّذين يريدون أن يهتمّوا بهم. لهذا السّبب الله قاسٍ ولكن مهما بلغت قساوة الله فهو لن يكون أقسى منك على أخيك.
سأقرأ مقطعاً آخر من سفر أشعياء لكي ترَوا مدى قساوة الصّورة ومدى صحّتها أيضاً، وهو من الإصحاح الثّامن والخمسين. والسّبب في الانتقال من الإصحاح الأوّل إلى الإصحاح الثّامن والخمسين هو ملاحظة الصّورة الّتي يُركّز عليها أشعياء من البداية إلى النّهاية: “نادِ بصوتٍ عالٍ، لا تُمسكْ إرفع صوتك كبوق واخبر شعبي بتعدّيهم وبيت يعقوب (أي إسرائيل) ذكّرهم بخطاياهم. إيّاي يطلبون يوماً فيوماً، ويُسرّون بمعرفة طُرقي كأمّةٍ عملت برّاً ولم تترك قضاء إلهِها. يسألونني عن أحكام البرّ، يُسرّون بالتّقرّب من الله، يقولون: لماذا صُمنا ولم تنظر؟ ذلّلنا أنفسنا لم تلاحظ. ها إنّكم في يوم صومِكم تجدون مسرّة، وبكلّ أشغالكم تُسَخّرون، ها إنّكم للخصومة و النّزاع تصومون ولِتطلبوا … الشّرّ لَسْتُم تصومون كما اليوم لتسميع صوتكم في العلاء.
أمِثل هذا يكون صوم أختاره أنا؟ يوم يُذلّل الإنسان فيه نفسه، يُحني رأسَهُ … ويفرش تحته مِسحاً ورماداً. هل تُسمّي هذا صوماً ويوماً مقبولاً للرّبّ؟ أليس هذا صوماً أختاره: حَلّ قيود الشّرّ، فكّ عقد النّير والعبوديّة، إطلاق المسحوقين أحراراً، قطع كلّ نير. أليس أن تكسر للجائع خبزك، وأن تُدخِل المساكين التّائهين إلى بيتك، وإذا رأيتَ عُرياناً أن تكسوه وأن لا تتغاضى عن لحمك (أي الإنسان الآخر)؟ حينئذٍ، ينفجر كالصّبح نورك وتنبت صِحّتُك سريعاً ويسير بِرّك أمامك ومجد الرّبّ”. قساوة الله مَبْنيّة على أمرٍ واحدٍ وهو الإنسان المحتاج والذي أنت التقيت به، كما في قصّة ألعازر والغنيّ، عندما كان ألعازر جالساً على باب الغنيّ وفي مكانٍ يستطيع الغنيّ أن يراه فيه، فيدخل ذاك إلى القصر ويخرج منه ويراه مرمِيّاً على الطّريق ولا يُحرّك ساكناً؛ “إذاً حينئذٍ تدعو فيجيب الرّبّ، تستغيث فيقول هاءنذا، فيقودك الرّبّ على الدّوام… إذا أنفقت نفسك للجائع وأشبعت النّفس الذّليلة يُشرق في الظّلمة نورك”.
يتحدّث أشعياء في الإصحاح الأوّل كما في الإصحاح الثّامن والخمسين عن الموضوع نفسه. في الوسط، أي في الإصحاح السّادس، عندما دعا أشعياء أعطاه رسالة الحكم. والمضحك أنّه على الرّغم من شرّ الإنسان، عندما يحين وقت الحكم، يدّعي البراءة، كالمجرم عندما يُحكَم عليه. لدى النّاس حنينٌ إلى الشّرّ، وكلمة الله، دائماً، هي الّتي تُصلح فكر الإنسان الّذي يقول بأنّ الله هو إلهه. هذا الكتاب مكتوبٌ فقط للنّاس الّذين يؤمنون بالله ويقدّمون له الصّلوات والذّبائح ولكن لا يفعلون كما يقول لهم فيُرضونه فقط بتقديم الذّبائح. خطورة المسألة هي في رؤيتك للمحتاج وتساؤلك إن كان صادقاً أو كاذباً. يكون العطاء بسبب يقظة وليس بسبب الشّفقة كأنّني أواجه الله في هذا المحتاج. باب الملكوت مُؤلّف من بابَيْن: الأوّل هو يسوع والثّاني هو المحتاج. إمّا أن يُفتحا معاً أو يُغلقا معاً. وعندما تفتح باب الفقير يُفتح باب المسيح تلقائيّاً.
بات الصّمت مُتعةً في زمن الثّرثرة فالمسيح، عندما كان يسمع ثرثرةً في الإنجيل، لم يكن يجيب فيُقال: “ولم يُجِبْ بكلمة”.
مَن صار قريبك وليس مَن هو قريبك، فأجاب الله: “مَن فعل إليّ الرّحمة”.
اليوم، قرأنا “شرّ” إشعيا أمّا في المرّة المقبلة فسنقرأ “شرّ” إرميا.
ملاحظة: دُوِّن الشرح بأمانةٍ من قِبلنا.