اليوم سنتنزّهُ في حديقةِ أرميا النّبي لنرى مشهدًا آخرَ من الأنبياءِ ورسالة الأنبياء والدّعوةِ الّتي أتَتْ لهم، من دونِ أن نعلّقَ كثيراً على كيفيةِ الدَّعوة، لأنّني عندما أتكلم لمدّةٍ من الوقت في أماكن أخرى، عن كلمة النّبي وقوّتها وهي كلمة الله، وبعد ذلك يسأل أحدُهم: هل صحيحٌ أن الله ظهرَ لهُ؟ وكيفَ نتَحقَّقُ مِن صِحة ظُهورِ الله لهُ أو تَكلَّمِه معهُ؟ بالنّسبةِ لنا، أحدهم قال: أنا أقولُ لكم كلمةَ الله، إن كنتم تحبّونَ قبولَها كَكلِمة الله فليكُنْ، أمّا إذا كنتم لا تحبّون قبولَها فلكم حريّة الاختيار ويتابع سيره.

الرّسول بولس يقول في رسالةٍ من رسائله: “أتيْنا بشراً مُتعَبينَ ومُنهكينَ ، أنتم قَبِلتم الكلمةَ منّا كأنَّها كلمة اللهِ”. أيّ قبلتمُوها ككلمة الله، كلمة “كأنّها” لا تعني النّفيّ، إنّما تعني أنّها أصبحَتْ كَلمة الله. أمّا السّؤال هنا: هل هي كلمة الله أو لا؟ لا تستطيع التَساؤل عن فكرة ما بعد قبولها، فإن سؤالك عنها يعني أنّك لم تقبلْها أصلاً، وقبولك يعني نهاية الأسئلة، إذاً عليك طَرحُ السؤال قبلَ أن تقبلها.

لذلك، أشعيا النّبي عِندما قالَ الكلمة، لم يُصدّقه النّاس، فقال لهم: ليس باستِخدَامِكُم التّصويت تقرّرون أنّها ليست كلمة الله. ولو اتّفقت الأرض كلّها البشر على أنّها ليْست كَلِمة الله والّذي قالها يؤكّد أنّها كَلِمُة الله، فَلَن تَخضَعَ للتّصويت للتّأكّد من صحّتها أو عدمها. لذلكَ أشعيا النبيّ قال: “صِرّوها في صِرّةٍ وخَبّؤوها في الأرضِ”، فإن كانوا لا يُريدونَ أن يسمعوا أو يُصَدّقوا فَلهم حريّة الاختيار، ولكن هذا لا يعني أنّها ليست كلمة الله. إنّها كَلِمُة الله ولكنّها غير مسموعةٍ حتّى الآن. ولو بعد سبعمائة عام، يأتي أحدٌ مثل مَتّى ويقولُ: “ها إنَّ العذراءَ تَحبلُ وتلدُ إبناً ويُدعى اسمُه عمانوئيل، أي “الله معنا” كما قالَ النَبيّ”. إذاً بالنسبة إليه، الكَلمةُ الّتي قالها أشعياء ولم يصدّقْها أحد، فعاد مَتّى وقالَ: الآن تَحَقَّقتْ هذِه الكلمة وهذه النبوءة بيسوع المسيح.

كُتِبَ الإِنجيل وَلكن هناك أشخاص شَكّوا بصحّته، ومازالوا حتّى اليوْم يقولونَ أهذا الإنجيل المزوّر أم الأصليّ؟ لا نستطيع أن نُخضِع كلمة الله للتّصويت، مِثل أمورٍ كثيرةٍ لا نُخضعُها للتّصويت لأنّنا نكون مقتنعين بها، حتّى لو جميع النّاس قالوا عنها “لا” ونحن قُلْنا عنها “نعم” فَسيكون الجواب “نعم” وسنعيشُ على هذا الأساس. إذاً لا تَدْخُلوا كثيراً في مسألة “كيف نُبّرهّن الموضوع”. الإيمان إذا تبرهنَ يُصبح مفروضاً فلا يعود إيماناً. فإذا كنّا نتكلم عن موضوعٍ غير مبرهنٍ حسّياً ولكنّه مُؤكّدٌ في داخلك، فلا يَهُمّك إذا قبِلَ النّاس أو لم يقبلوا به. بالنِّسبَة إليّ، هكذا أُؤمنُ بيسوع المسيح حتى لو لم يقبلهُ جميع النّاس. أمّا الآن فإذا تمّ التصويت على أنَّ يَسوع لم يقمْ وأنا أؤمنُ مسبقاً بأنّه قام، أيكون قد قام أم لم يقمْ؟ إذا كانَ بِالنسبةِ إليكَ قد قام فهو قد قام ولكن هو في الحقيقة لم يقمْ. هذا هو الإيمان فلم يعدْ هناك كلمة حَقِيقة أو غير حقيقة.

بالنّسبة إلى إرميا النّبي الله اختارهُ نبيّاً قبل أن يولد. هنا نَطرح سؤالاً، هل هكذا الله يختار الأفراد؟ فالإنسان مسيّرٌ وليس مخيّراً. إرميا قال إنّ الله اختاره نبيّاً وهو لم يولد بعد لأنّه قبِل بأن يكون نبيّاً. وقد قال ذلك بولس الرّسول في رسالته لأهل غلاطية: “من بطن أمّي الله عَرفَني”. وذلك يعني بالنسبةِ إلى إرميا، طَبيعتُنا ووَظيفتُنا واحدة، ولا نستطيعُ أن نتخلى عن واحدة منهما لذلكَ هوَ ملتزمٌ بأن يكون خادماً لِكَلِمَةِ الله.
بُولس الرسول يَقول: “الضَّرورَة مَوضوعَةٌ عليّ، ويلٌ لي إِن لم أُبشّر”. لم يعد لديه الخيار حتّى لو اتّفق الجميع على إمكانيّة توقّفه عن ذلك هُو يقول أنّه ليسَ بِاستطاعته أن يتوقّف عن التّبشير. وهكذا بالنّسبة إلى إرميا النّبيّ.

قال إرميا في القرن السّابع قبل الميلاد: “كانت إليَّ كَلِمَةُ الرَّبّ قائلاً: قَبلَما صوّرتكَ في البطنِ عرفْتكَ، وقبْلما خرَجْتَ مِن الرّحمِ قدّستُكَ، جَعلتُك نبيّاً للشّعوب. (عبارة “قدّسْتُكَ قبل أن تخرج من رحمِ أمّك” ليس معناها قِدّيس بالمعنى الّذي نَعرِفَهُ لِلكَلِمة، لكن كلمة ” قدَّس” بالعبرية “قداشْ” تعني فرَزَهُ، أي قامَ بِعمليةً فرز، قدّستُكَ تعني جئْتُ بكَ لتُصبحَ مُلكي، أنا بحاجة إليك).

قُلْتُ:”آه، يَا سيّد، إِنِّي لا أَعْرِفُ أَنْ أَتَكَلَّمَ لأَنِّي وَلَدٌ”.(أي إنّني شابٌ صغيرٌ أتريد مني أن أقول ما تقوله؟ فهي ليست بالقضية السّهلة) فقال الرّبُ لي: “لا تقلْ إنّي ولدٌ، (أي إذا قلت أنّني ولدٌ يعني أنّني بحاجةٍ إلى كلماتك وأنا لستُ بحاجةٍ إليها، أريد أن تمرّ كلماتي من خلالك)، لأنّكَ إلى كلّ من أٌرسلُكَ إليهِ تذهبُ وتَتَكلّمُ بكلّ ما آمُركَ به، لا تخفْ من وجوهِهم (أي إذا كُنْتَ تَعتبرُ نَفسَك ولداً يخاف، فلا تخف) لأنّي أنا معك لأُنقِذَكَ (إذاً الله يُطمئنه بقولهِ أنا معك وأنا أخلِّصكَ). 

يقولُ الربّ: “وَمَدَّ الرّب يَدَهُ وَلَمَسَ فَمِي” (هنا نتذكّر أشعياء حين جلب له الرّب بِالملقط جمرةً ولمس فمهُ، إذاً هنا مدّ الرّبّ يدَه ولمسَ فمهُ. فالرّبّ بحاجة فقط إلى فمه). وَقَالَ الرَّبُّ لِي: هَا قَدْ جَعَلْتُ كَلَامِي في فَمِكَ (أي كلام الله وليس كلامك، أي أنّنا نقول ما يريد الله قوله)، اُنْظُرْ قَد وَكَّلْتُكَ هذَا الْيَوْمَ عَلَى الشّعُوبِ وَعَلَى الممالك (أي أعطاه وكالةً عامّةً على الشّعوبِ والممالك، اليوم أي في اللّحظَةِ التي قبلِ بها إرميا كلمةَ الله، صارَ وكيلاً لله في هذهِ الدّنيا). 

“لِتقلعَ وتُهدمَ وتُهلك وتَنقض وتَبني وتَغرس” (إذاً قبلَ أن تَبني وتَغرس هنالك شيءٌ يجب أن يُكسر، وهو ذلك الشّيء الموجود في عُقولِ النّاسِ، عِباداتِهم والأمور الموجودة في كَيانِهم ويؤمنون بها، ناهيكَ عن الأصنامِ التي في رؤوسِنا، والأوثانِ في حياتنا، فالنّبي يأتي بكلمة الله ويَكسِر هذه التَصورات والأصنام، فالأمر الأهمّ الّذي قام به يسوع المسيح قبل أن يَتكَلم عن الملكوت، قامَ بِكَسر الأصنام الموجودة في رؤوس النّاس، لأن صورةَ اللهِ الموجودة في عقولِ النّاس سيئة جداً إلى حدّ أنّه إذا ظهر الله لا يُصدّقون، وهذا حَصلَ مع اليهود وهَكذا سَيَحصل مع المسيحِيّين فإذا أتى المسيح مَرّةً أخرى سَيرفضونه مع العِلم أنّ السّيد المسيح أتاهم بالكلمة وأَرَاهُم مَن هو وماذا فَعَل لهم، ولكن من بعد رَحيله قَرّرَ المسّيحيون أن يُكَوّنوا صورَةً عنه تُساعدهم لِيُصبِحوا وحدهم آلهة على الأرض، لذلك أصبحوا يَسّتَخدمونه، وإذا قرأتم قصّة الأخوة كارامازوف، سَتتعرّفون إلى هذه الصورة كاملةً).

في مَحاكم التفتيش وفي عصور الكنيسة السّيئة، كانوا يُحقّقون مع المُخطئين في الايمان ويُصدِرون بِحقّهم حُكماً بِالإعدام حتى لا يُتَابِعوا ارتكاب الخطيئة، وهذا خطأ كبير وقعت فيه الكنيسة.
إذا جاءَ المسّيحُ مرةً ثانيةً سيأتي كما جاءَ في المرّةِ الأولى هو نفسه، هكذا يقولُ الكاتب، فإذا رآه الكاردينال وأّرسل في طَلبهِ المطران ليحقّق معه سيقول له: “لقد دمّرت الدّنيا وبِسببك نتعذّب، قال لكَ الشّيطان: حوّل الحِجَارة إلى خبزٍ، لكِنَكَ لم تَقبلْ، ولو حَوَّلتهم لركعَ لك جميع النّاس.” بِسَبَبِكَ نُطعِمُ النّاسَ الخبزَ لكي يركعوا لنا، إنّنا نَقومُ بِعملكَ الذي لم تُنجزه. في النّهايةِ يقول له: “إذا بَقيتَ هكذا ستصعب الحياة علينا.”
إذاً الصّورة في عُقولنا عن الله مِنَّ الصَّعبِ أن تَتَغير، حتَّى ولو قَرّرَ الله بِنفسهِ تَغييرها، عِندها من يُصبح الإله؟ “أنا” والله الحقيقيّ هو ذلك الصّنم. ويقولُ لإرميا: عليكَ أن تَقلعَ وتَهدمَ وتَحرث وبعدَها يمكِنكَ أن تبني وتغرس، لأنّ أرضَ البورِ لا تُزرع بل يجب أن تُفلح (أي يجب قَلِب الأرض رأساً على عقبٍ وتغيير شكلَها كلّياً) ثم صَارت إليّ كَلمة الرّب فقال: ماذا أنت راءٍ يا إرميا؟، فقلت: أنا راءٍ قضيب لوزٍ، فقال الرّب لي: أَحسَنتَ الرُّؤْيَةَ، لأَنِّي أَنَا سَاهِرٌ عَلَى كَلِمَتِي لأُجرِيَهَا. 

إذاً كلمة “الّلوز” في العبريّة تحمل معنى كلمة ساهر أي الّذي لا ينام، قال له ماذا ترى؟ فأجابهُ: أرى قضيباً سهراناً، كذلك أنا سهران لأنفّذ كلمتي، يقول الله لن أنام لا ليلاً ولا نهاراً حتّى تتمّ كلمتي، أتحبُّ أن تُطبّقَ كَلمتي بِواسطتِك فتعالَ معي، وإذا كنت لا تريد، أفسح المجال لأجلِبَ غيرك (ولكن لأنّ إرميا قَبِلَ سابقاً بهذه المهمة، فلم يعدْ يستطيع أن يرفضَ، هذه هي الرّسالة). ثُمَّ صَارَتْ كَلِمَة الرَّب إِلَيَّ ثَانِيَة قَائِلاً: “مَاذَا أَنْتَ رَاءٍ؟” فَقُلْتُ: “إِنّي رَاءٍ قِدْراً مَنْفُوخَةً، وَوَجْهُهَا مِنْ وجهَةِ الشّمَالِ”. فَقَالَ لي الرَّبُّ: “مِنَ الشّمَالِ يَنْفَتِحُ الشَّر عَلَى كُلِّ سُكَّانِ الأَرْضِ لأَنِّي ها أنا َذَا دَاعٍ كُلَّ عَشَائِرِ مَمَالِكِ الشّمَالِ، يَقُولُ الرَّبُّ، فَيَأْتُونَ وَيَضَعُونَ كُلُّ وَاحِدٍ كُرْسِيَّهُ فِي مَدْخَلِ أَبْوَابِ أُورُشَلِيمَ (مدينة أورشليم هي مدينةُ اللهِ بالنّسبةِ إلى اليهود لأنّ الهيكل موجودٌ فيها، فهي بالنّسبة لهم. يقول لهُم: أنتم مدينة الله وشعب الله، الّذين يحاربُ الله أعدائكم ليحميكم .ويقول الله: سيجلب الأعداءَ إلى أبواب أورشليم ( ونسألُ أنفسنا، لماذا؟ فنحن شعب الله؟ فيقول الله لأنّ تصرّفاتكم تدلّ على أنّكم أعدائي ولستُم شعبي).

فقال الرّب: وَعَلَى كُلّ أَسْوَارِهَا وحَولها، وَعَلَى كُلّ مُدُنها وَأُقِيمُ دَعْوَايَ عَلَى كُلّ شَرّهِم، لأَنَّهُم تَرَكُونِي وَبَخَّرُوا لآلِهَةٍ أُخْرَى، وَسَجَدُوا لأَعْمَالِ أَيْدِيهِم. (إذاً المشكلة عند الله هي عبادة الأصنام “تركوني وتوجّهوا نحو غيري” والمشكلةُ ليست أنّهم ذهبوا عند أحدٍ غيري لأنه ليسَ هنالك أحدٌ آخر لكنهم يتوهّمون، إذاً أنتم يا شعب إسرائيل أخطأْتم خطيئتانِ، الأولى هي ترككم لي وأنا الينبوعُ الحيّ والثّانية أنّكم ذهبتم لتشربوا من آبارٍ فارغةٍ من المياهِ. كيف ترتكتُم الينبوع الحيّ لتشربوا مياهاً؟ فتذهبونَ إلى بئرٍ فارغ وتعلَمون أنّه فارغٌ وتركعون لتشْربوا منه، وهذا ما يسمّونَه حماقةً في الإنجيلِ لأنه ضدّ الحكمة). أَمَّا أَنْتَ فَنَطّقْ حَقوَيْكَ (أي قم بشدّ حزامك جيداً) وَقُم وَكَلّمهُم بِكُلّ مَا آمُرُكَ بِهِ، (لا تخترع كلاماً لم أقله لك)، هاءنَذَا قَدْ جَعَلْتُكَ الْيَوْمَ مَدِينَةً حَصِينَةً وَعَمُود حَدِيد وَأَسوَار نُحَاسٍ عَلَى كُلّ الأَرْضِ” (أي أنا جعلتُك مدينةً بحدّ ذاتها وكانت مدينة الله هي مدينة أورشليم وهيكلُ الله موجود في داخلها فقرّر أن يغيّر مدينته ويجعلها في شخصٍ واحدٍ، لأنّ هذا الشّخص يحمل كَلمتَهُ، وبالتّالي كلمة الله هي هيكل المدينة وإرميا حمل كلمةَ الله، إذا كنتَ أنت في مدينة أورشليم أيّ أنت أصبَحتَ مدينة الله. ومن المعروفِ أنّ الأعداء يُحَوّطون المدينة. المغذى في هذه الصّورة: إرميا هو مدينة الله وأهل أورشليم الّذين أحاطوا إرميا أصبحوا أعداءه. إذاً الله جعلَ شعبه عدوَّه لأنّه لم يسمع كلمتَه. هنا نطرح على أنفسنا سؤالاً: هل الرّب قاسٍ وظالمٌ؟ إذا لم يسمع أحدٌ كلمته يصبح هكذا؟ يَقتل؟ هذه هي صورته في العهد القديم “القتّال”).

سببٌ واحدٌ يجعلُ الله غاضباً وهذا السبب ليس إن لم نَسجد أو نركَع أو لم نُصلّ التّساعيّة، لا أهميّة لهذا كلّه بالنّسبة إلى الله. (إذاً إرميا أصبحَ المدينةَ وأهلُ المدينةِ أصبحوا أعداءها وإذا الله يحمي مدينته ويضربُ أعداءه فمن الطّبيعي أنّ ذلك سينعكس عليكُم أنتم يا أهل أورشليم، أنتم مَن سيُضرب. هذه هي التّربية). يقول: جَعَلتُكَ اليَوم مَدِينَةً حَصِينَةً وَعَمُودَ حَدِيدٍ وَأَسْوَارَ نُحَاسٍ لملوك يهوذا (يهوذا هي مدينةُ الله وأورشليم هي للملوك والرّؤساء. المفروض منكم أن تحقّقوا إرادة الله على الأرض بحكمكم داخليّاً بالعدل والرّحمةِ التي لم تنجزوها بأنفسكم)، فأصبحتم أنتم أعداء لملوكها ولرؤسائها ولكهنتها ولشعبها. فيحاربونَك ولا يقدرونَ عليك (إذاً كلمةُ الله سوف تُحَارب من قِبل شعب الله، مِمَّن يدَّعون أنّهم شعب الله، والدّليل على ذلك هو القدّيسونَ الّذين كانوا يُحارَبون من قِبل رِفاقهم، الرّاهب من قِبل الرّهبان والمطران من قِبل المطارنة والكاهن من قِبل الكهنة، ويُحَارَبون لأنّهم حاولوا أن يبتعدوا عن كلمة الحقّ. لا يمكن تزاوج الباطل والحقّ، والإنسان غير المتّزن يقوم بهذا التّزاوج في قَرارَةِ نفسه). يقول: “فيحاربونكَ ولا يقدرونَ عليكَ لأنّي أنا معك، لأنقذكَ (إذاً أنت لست بحاجةٍ إلى سلاحٍ ولست بحاجة إلى حربٍ لأنّني سأنقذكَ بنفسي، فتذكَّر أنا معكَ).

عند متّى:” يُدعى اسمُه عمانوئيل” (أيّ “الله معنا ” في الآرامية أو في العبريّة) وفي آخر إنجيل متّى في الوقت الذي ظهرَ قائماً من بين الأمواتِ ورأى تلاميذهُ قال لهم: “اذهبوا وتلمذوا كلّ الأمم، فإنّي أنا معكم إلى انقضاء الدّهرِ” (إذاً الله معكَ فلا تخفْ).
وصارت إليّ كلمة الرّب قائلاً: “اذهب ونادِ في أذنيّ” هكذا قال الرب لإرميا: إذا خفت منهم، أنا سَأجعلك تخاف. فلا تخف لأنّني معك (أي إذا خفت منهم فسأريك معنى الخوف فسأخيفك بنفسي). 

يقول: “اسمعوا كلمة الرّب يا بيت يعقوب وكلّ عشائر بيت إسرائيل هكذا قررت، ماذا وجد فيّ آباؤكم من ظلمٍ حتى ابتعدوا عني وذهبوا وراء الباطل وصاروا باطلاً ولم يقولوا أين هو الرّب الذي أصعَدَنا من أرضِ مِصر، الّذي سار بنا في البرّية … فأتيتم ونجّستُم أرضي وجعلتم ميراثي نَجِساً، الكهنة لم يقولوا أين هو الرّب وأهل الشّريعة لم يعرفوني والرّعاة عصوا عليَّ، والأنبياء تنبّؤا بالبعل (أيّ الإله الوثنيّ) وذهبوا وراء ما لا ينفع لذلك أخاصمُكم، وبيني وبينكم مُخاصم، لأنّ شعبي عمل شرّيْن، تركوني أنا ينبوع المياه الحيّة لينقروا لأنفسهم آباراً مشقّقة لا تنبض ماءً ولحقوا بها، لأنّكم كلّم عصيتموني يقول الرّب”.

سنرى ما هو الشّر الذي قاموا به ليظهر الرّب غضبه عليهم في الإصحاح الثّالث والعشرين من إرميا، يقول: ويلٌ للرّعاة (المسؤولين) الّذين يهلِكون (لأنّ الدّينونة تكون على المسؤولين أولاً، لأنّهم قبلوا المسؤولية وأنّهم تعهّدوا بما طلبه الله منهم ولكنهم لم يقوموا بما طلبه منهم)، ويلٌ للرّعاة الّذين يَهلِكون ويُبدِّدون غنمَ رعيتي (هؤلاء رعية الله والوكيل عليهم لا يملكهم، فهو خادمٌ لديّ)، هكذا قال الرّب إله إسرائيل على الرّعاة الّذين يرعون شعبي. أنتم بدّدتم غنمي وطردتموها ولم تتعهدوها، فإنّي أعاقبُكم على شرِّ أعمالكم وأنا أجمعُ بقيّة غنمي من جميع الأراضي، الّتي طردتُها إليها وأرُدُّها إلى مرابِضِهَا فَتُثمر وتكثر، وأقيم عليها رعاةً يرعَونها، فلا تخاف بعد ولا ترتعب (الله قرّر أن يغيّر الرّعاة لأنهم لم يعودوا نافعين).
الرّاعي الصالح في العهد الجديد ليوحنا هو يسوع المسيح.

يقول الرّب: “ها أيامٌ وأقيمُ لداود غصنَ برّ فيملِكُ ملِكٌ وينجحُ ويجري حقاً وعهداً في الأرض، في أيّامه يُخلَّص يهوذا ويسكنُ إسرائيل أميناً هذا هو اسمُه الذين يدعونه به “الربُ برُّنا”.
يقول الرب: ها أيّامٌ تأتي ولا يقولون بعد، حيٌّ هو الرّبُ الّذي أصعدَ بني إسرائيل أنفسَهم بل حيٌّ هو الرّب الّذي أصعد وأتى بنسل بيت إسرائيل من أرض الشمال ومن جميع الأراضي الّتي طردتهم إليها فَيسكنون في أرضه (أي هناك شخص ما سيعيد جمع كل الغنم المشتّت) في الأنبياء انسحقَ قلبي في وسطي، ارتختْ كلُّ عظامي، صرتُ كإنسان سكران مثلَ رجل غلبتْه الخمرُ من أجل الرّب ومن أجل كلام قدسي، لأنّ الأرض امتلأت من الفاسقين، لأنّه من أجل اللّعن ناحت الأرض، جفّت مراعي البريّة، صار سعيهم للشّر وجبروتهم للباطل، لأنّ الأنبياء والكهنة تنجّسوا جميعاً، بل في بيتي وجدتُ شَرّهم (تنجّسوا أي أصبحوا يلاحقون عباداتٍ أخرى) لذلك يكون طريقهم لهم كمزالق في ظلامٍ دامس، فَيُطردون ويسقطون فيها لأنّي أجلب عليكم شرّاً سنة عقابهم يقول الرّب، وقد رأيت في أنبياء السّامرة حماقةٌ (أنبياء السّامرة أي أنبياء الشمال) تنبّؤوا بالبعل (إله المطر والطّبيعة ) وأَضَلّوا شعبي إسرائيل (إله بعل عند الشّعوب الوثنية، هو الّذي يُرسل والمطر فتُطلع الأرض الثّمر، من هنا كلمة بعل أيّ الزّوج. لذلك كان اليهود الّذين يعبدون الله، عندما يتأخر المطر يذهبون إلى الوثنين ليلصلّوا لإله بعل ليبعث لهم المطر). قال يسوع: “إنّكم تُعطون ما ِلله لِله وما لِقيصر لِقيصر”، ولم يقل أعطوا ما ِلله لله ، وما لِقيصر لقيصر. 

يقول للأنبياء: إذاً تنبّؤوا بالبعل وأَضلّوا شعبي إسرائيل، وفي أنبياء أورشليم رأيت ما يُقشَعر مِنهم، يفسقون بالكذب، يشَّدِدُون أيادي فاعلي الشّرّ حتى لا يرجعوا”. أليست هكذا كلمتي كنار يقول الرّب وكمطرقةٍ تحطّم الصّخر لذلك هاءنذا على الأنبياء الّذين يسرقون كَلِمتي بعضَهم من بعض، هاءنذا على الأنبياء الّذين يأخذون لسانهم و يقولون قال. (أي يقولون ما يريدون بلسان الله وهكذا يغيّرون بكلمة الله بما يناسب مصالحهم). الّذين يتنبّؤون بأحلامٍ كاذبة، يقول الرّب، الّذين يقصّونها ويَضلّلون شعبي بأكاذيبهم ومفاخراتهم وأنا لم أرسلْهم ولا أمرتهم فلم يفيدوا هذا الشعب فائدة. وإذا سألك هذا الشعب أو نبّيّ أو كاهنٌ ما وحي الرّب؟ قل لهم :أيّ وحي؟ إنّي أرفضُكم، فالنّبيّ أو الكاهن أو الشّعب الّذي يقول وحي الرّب، وحي الرّب، أعَاقب ذلك الرّجلَ. هكذا يقول الرّجل لصاحبه والرّجل لأخيه.

بماذا أجاب الرّبّ؟ وماذا تكلّم به الرّبّ؟ أمَّا وحي الرّبّ فلا تذكروه بعد، لأنّ كَلمة كُل إنسانٍ، قدّ تَكون وَحيَه.
إذ قد حرّفتم كلام الإله الحيّ، ربّ الجنود إلهنا، هكذا تقول للنبيّ، بماذا أجابك الرب؟ وماذا تكلّمَ به الرّب؟ وإذا كنتم تقولون وحي الرّب فلذلك، هذا قال الرب ومن أجل قولكم هذه الكلمة “وحي الربّ” قد أرسلتُ إليكم قائلاً لا تقولوا وحي الرّب (الرّبّ لا يريد أن يسمع هذه الكلمة) لذلك هاءنذا أنساكم نسياناً وأرفضكم من أمام وجهي، أنتم والمدينة الّتي أعطيتكم وآباؤكم إياها وأجعل عليكم عاراً أبديّاً وخِزياً أبديّاً، لا يُنسى (المشكلة عند إرميا، أنهم حَرّفوا قَول الرّب. إذاً هناك عملان الرّب يغضب منهم، الأوّل هو إن لم تهتم بالفقير واليتيم والأرملة، وأنتَ تعلمُ أنني موجود بهم، والثاني إذا غيّرتَ كلمتي وقلت كلاماً من عندك وقلت للناس أن هذا الكلام هو كلام الله، لأنّ كلمة الله هي المخلّصة أمّا كلمتك فليست بِمُخَلّصة، وقد أبعدتَ كلامي عن النّاس وبالتّالي النّاس لن يُخَلّصوا).

“الله قرّر أيضاً أنّ يكون حاضراً في كلمته،” أي إذا أردنا إبعاد كلمة الله، فإنّنا نبعد الله نفسه، لذلك بالنسبة إلى بولس عندما بدأوا ينقسمون إلى أحزاب، طرح عليهم أسئلة، من صُلبَ من أجلكم؟ من الّذي مات؟ لا تستطيعون أن تُقسموا إلى أحزاب تتكلّم بالكلمة نفسها والّتي هي كلمة الله. فالقدّيسون الّذين تتبعونهم أنتم من اخترعتم لهم هذهِ الصّورة وتبعتموها، فإذا تركتم الينبوع الحيّ وذَهبتم لحفر آبارٍ جديدةٍ خاليةٍ من المياه، وتريدون أن تشربوا منها. فذلك يشبه عبادة الأصنام، فالمزارات قد تحمل الهدف الماديّ أحياناً .

عندما دخل يسوع إلى الهيكل قام بقلب طاولة الصّيارفة وبائعي الحَمَام وقام بِجَلدهم (واختار الصّيارفة لأنهم الّذين يجنون ربحاً مادياً باسم الله، وبائعي الحَمَام، لأنّ الحمام هو رمز الروح القُدس، أي إن بائعي الحَمَام يتاجرون بالرّوح القدس. يستعملونَ عبارات لإخافة الناس بهدف تنفيذ ما يريدون وليس ما يريده الله. فالشّموع والبخور وقِطنةُ الزّيت، صلاتنا هي من تجعلها مُميزة، مقدّسة، وليس المكان الذي أتينا بها منه. فالطّقوس والصّلوات تُصبح سِحراً، لأنّنا ننسى ما قال الله ونَتبع ما نحنُ نقوله لأنّنا نعتقد أنّنا سنكسب أكثر) فيجبُ ألّا تُحرّفَ كَلمة الله وألّا تُهمل الفقير، وغير ذلك فلنقم بما يحلو لنا فإنّ الله يغفر خطايانا عند وجود النّية الصّافية في داخلنا للتّحسن ولكن حذارِ من تحريفِ كلمةَ الله. هذا هو إرميا.

ملاحظة: دُوِّن الشرح بأمانةٍ من قِبلنا.