تفسير الكتاب المقدّس،
الأب ابراهيم سعد،
“سِفر حزقيال النبيّ – الإصحاحان: 1-34”
اليوم سنتحدّث عن النّبيّ حزقيال: هو من الأنبياء الكِبار، يُقال إنّه من سلالة الكَهنوت وقد طردَه الشّعب من أرضه، وكتبَ خارج البلاد.لدى حزقيال نجدُ بعض الصّور الغريبة ولكنّها ذات هدفٍ يؤكّد من خلاله أنّ كلمة الله عالميّة.
يقول في الإصحاح الأوّل:”فنظرتُ فإذا بريحٍ عاصفةٍ جاءت من الشّمال، سحابة عظيمة ونار متواصلة وحولها لمعان. وأمّا شبه وجوهها، فوجه إنسان ووجه أسد…”. إذاً لدينا وجه إنسان، ووجه أسد، ووجه ثور، ووجه نسر، وهي الجهات الأربعة في الكتاب المقدّس، وذلك يعني الكون كلّه. وقد شبّه كلمة الله بالمركبة الّتي تتنقّل في الكون كلّه والّتي لا يَحدّها مكان معيّن، ولكنّه أعطاها أشباهاً، ففي العهد الجديد كلّ صورة من هذه الحيوانات الأربعة رُمز إليها بإنجيلٍ معيّن من الأناجيل الأربعة. فالإنسان هو إنجيل متّى لأنّه يركّز على يسوع ابن الإنسان، والأسد هو إنجيل مرقس لأنّه يحتوي على حديثٍ يبدأ بصوتٍ صارخٍ كأسدٍ في البريّة، أمّا الثّور فهو إنجيل لوقا الّذي تكلّم عن يسوع كذبيحةٍ، والنّسر هو إنجيل يوحنا لأنّ يوحنا حلّق فوق الأرض فقد تكلّم عن المسيح أنّه كلمة الله الذي قبل الأزل، هو في الأعالي وبعدها تجسّد ونزلَ إلى الأرض. لذلك نرى في الأماكن المقدّسة والكنائس، على المذابح رسومات تمثل الحيوانات الأربعة والّتي تدلّ على الأناجيل الأربعة وكل صورة تدلُّ على الرّكيزة الّتي استعملها النبيّ في كتابتها).
النّبي، إذاً، قَبِلَ كلمة الله ويعتبر نفسه ملزماً بها ولا يستطيع تركها، هنا يأتي الحديث: لكلّ شخصٍ دعوة، ولكن يختلف الاستعداد لهذه الدّعوة بين شخصٍ وآخر. كلّ إنسانٍ عندما يخرجُ من جُرن المَعمودية، يكون لديه موهبة. فكل إنسانٍ لديه “خارس” من الله، وكلمة “خارس” في اليونانية تعني “نعمة”، أيّ كلّ شخصٍ لديه نعمة، ونتيجته هي “الخاريزما” وتعني دور الفرد بين الجماعة الّتي ينشأ فيها، فليس هنالك أحدٌ من دون دور أو وظيفة. فهناك وظائف تكريسيّة وهناك وظائف عاديّة، وهذا يعني أنّه ليس من الضروريّ أن أكون مكرّساً بالكهنوت ليكون لديّ وظيفة، والّذي يقول أنا لم أجد دوري بعد لا يعني أنّه ليس لديه دور. على سبيل المثال في الكنيسة، من يفتح الباب ليَدخُل المؤمنون الى الصلاة، له دور أساسي، كذلك الكاهن والمرتل…فالذي يجمع الصينية له دور أساسي أيضاً، لأنه يساهم في إعطاء الفرصة للمؤمنين ليترجموا محبتهم بالعطاء لأنّه لا وجود للمحبة من دون عطاء، والمحبّة الجليّة تُظهر عطاءً جليّاً، والعطاء يكون لمن هو محتاج.
بولس الرّسول قال: “ابنوا بيوتاً للفقراء”. هنا نعود ونقول أن لكلّ شخصٍ دورهُ، والّذي يقول إنّ لا عمل لديه يكون لم يفهم سرّ المعمودية ولا الميرون المقدّس، ولا معنى الرّوح، فيكفي أن تبتسم عندما تدخل إلى الكنيسة أو تخرج منها ليكون هذا دورك، لأنّ التّبشير بالإله الحيّ يكونُ إمّا بالكلام الإنجيليّ، إمّا بالحياة والسّلوك، إمّا بالابتسامة على الوجه.
إذاً الموهبة هي نتيجة النّعمة، والنّعمة هي قرارٌ إلهيٌّ من دون استشارتك، فلقد أصبحت ابن الله وهو والدك، وبالتّالي لقد أصبحت فرداً من العائلة وهذا يعني أنّه أصبح لك دور. أما بالنّسبة للّذي يصبح لديه خاريزما بعد أن أصبح ابن الكنيسة أيّ بعد تعميده فلا يستطيع القول أريد أو لا أريد، فالضرورةُ موضوعةٌ عليه، كأنّنا دخلنا وسط اختيار الرّب أيّ أنّ الله دعاني ليكون لي وظيفة ما وهذا يعني أنّني لم أعد حرّاً لأنّني التزمْت بهذه الوظيفة لأقوم بدوري، وهذا يعني أنّه لا يمكنني قول لا، لأنه إذا قلتُ لا يعني أنّني أصبحتُ خارج الوظيفة.
كما قال إرميا: “من بطن أمي الله دعاني” كذلك بالنسبة لحزقيال فالضّرورةُ موضوعةٌ عليه.
الإصحاح الثّالث يقول: “قال لي يا ابن آدم” (أيّ يا إنسان من دون امتيازات)، “كلّ ما تجده، كُلّ هذا الدَّرْج” (الدَّرْج يعني السّفر، أيّ الكتاب)، “واذهب كلّم بيت إسرائيل، ففتحت فمي فأطعمني ذلك الدَّرْج، وقال لي يا ابن آدم: أطعمْ بطنك واملأ جوفك من هذا الدّرج الّذي أنا مُعطيك، فأكلته فصار في فمي كالعسل حلاوة” (يوحنا في سفر الرؤيا يقول: عندما أكلته ظهر بطعم رائع ولكن عندما ابتلعته شعرتُ بمرارته، فكيف سأقنع النّاس الّذين لا يقبلون)، “فقال لي: اذهب، امضِ إلى بيت إسرائيل” (البيت يعني العائلة أو القبيلة أو الضّيعة)، “كلّمهم بكلامي (وليس بكلامك) لأنّك غير مرسلٍ إلى شعبٍ غامض اللّغة وثقيل اللسّان” (أيّ إنّني لا أرسلك الى شعبٍ لا يفهم اللغة، فنحن نكلّمهم باللّغة الّتي يفهمونها).
“بل إلى بيت إسرائيل لا إلى شعوبٍ كثيرةٍ غامضة اللّغة وثقيلة اللّسان لست تفهم كلامهم، فلو أرسلتك إلى هؤلاء لسمعوا منك” (أيّ سأرسلك الى بيت إسرائيل الّذين يعرفون كلمتي ويعرفوني ويفهمون لغتك وتفهم لغتهم ولكنهم لا يسمعون)، “لكن بيت إسرائيل لا يشاء أن يسمع لك، لأنّهم لا يشاؤون أن يسمعوا لي” (أيّ لم يعد هناك فرقٌ بيني و بينك طالما أنّك تتفوه بكلامي، فإذا لم يسمعوك أيّ أنّهم لا يسمعوني)، “لأنّ كلّ بيت إسرائيل صُلّاب الجِباه وقُساة القلوب، ها أنا ذا قد جعلتُ وجهكَ صلباً مثل وجوههم” (أيّ جعلت لك قلباً ووجهاً قاسييْن مثلهم لكي لا تخاف ولا تهرب منهم ولكي تستطيع أن تواجههم)، “وجبهتُك صلبة مثل جباههم، قد جعلت جبهتك كالماس أصلب من الصّوان فلا تخفهم ولا ترتعب من وجوههم، لأنّهم بيت متمرّد” (التّمرّد في العبرية يعني “بيشاع” فالخطيئة بالنّسبة له تمرّد، لأنّهم شعبٌ متمرّد لا يريدون الله ولكنّهم يريدون منه أن يلبّي طلباتِهم، حتّى لو لم يُلبّوا طلباته. هم يرسمون الله وينحتونه بحسب أهوائهم كأنّه صنم وثنيّ. الله الحيّ يصبح صنماً وهكذا يرتاحون، لا يتحدّاهم ولا يتحدَّوْنَهُ)”.
أمّا فيما يخصّ النّذر، قدّموا ما شئتم للكنائس من دون قول كلمة نذر، لأنّنا عندما ننذر يعني أننا نقدّم رشوةً إلى الله ليحقّق لنا طلباتنا. عقليّة النّذر لدينا هي عقليّة يهوديّة. وهذا يخلق حالة استرخاء، وكلّما طالت تسبّبَت بتصلّبٍ يُصيب القلب والجبهة والعنق ما يجعل هناك صعوبةً كبيرةً، إلى حدّ أنّكم إذا سمعتم كلمة الله تسمحون لأنفسكم بأن تجعلوا الله يتكلّم بما تُريدونه، فلا تستمعون إليه وتظنّون بأنّ هذه الكلمة ليست كلمة الله فتتمرّدون. في الكنيسة، لا يوجد إلا نذرٌ واحدٌ وهو أن ننذر حياتنا لتكون منسجمةّ مع حياة الله.
لذلك أصبحَ لجملة “أحبّوا بعضكم بعضاً كما أنا أحببتكم” الكثير من التّفسيرات. مثلاً عندما سَألَ يسوع أأنتم تحملون سيفاً؟ أجابه بطرس: نعم، لدينا سيفيْن فظنّوا أنّهم سيذهبون إلى الحرب فقال يسوع “يكفي” فظنّوا أنّ يسوع قال لهم هذا كافٍ للحرب ولكنّه قصد أن يَكفّوا عن هذه الأفعال، فلم يفهموا كلمة الله كما هو يريد. السّيْف يعني كلمة الرّوح، فكلمة الله هي بحدّ ذاتها سيْف. كلمة الله لها من يقبلها ولها من يرفضها، فينقسمون كأنّها هي السّيف الّذي يقسمهم.
يقول لحزقيال: “سأرسلك إلى أشخاصٍ يفهمون لغتك ويعرفوني لكنّهم مُتمرّدون، يا ليتني أرسلتك لأشخاصٍ لا يفهمون فكانوا سيفهمون. قال لي يا ابن آدم: كلّ الكلام الّذي أكلمّك به، أَوْعِهِ في قلبك واسمعه بأذنيْك (أيّ ضعهُ في قلبك واسمعه بأذنيك، لأنّني أريد فمك، لأنك إن كنت لا تسمع فلا تستطيع الكلام، والكلام ضعه في قلبك لأنّ اللّسان يتكلّم من فَضلة القلب، لتنقل كلامي وليس كلامك)، “وامضِ اذهبْ إلى المَسبيّين إلى بني شعبك، وكلّمهم وقلْ لهم هكذا قال السّيد الرّب، إن سمعوا وإن امتنعوا”(أيّ كيفما كانت ردّة فعلهم بالقبول أو الاعتراض، أُريد أن تُبلّغَهم الرّسالة من دون زيادةٍ أو نُقصان. الأمانة في إيصال الرّسالة لا تفترض شرط قبول من وصلته الرّسالة) ثمّ حَملني روحٌ (إنّ كلمة حزقيال، الموجود في مكانٍ معيّنٍ، وصلت لكلّ العالم وهو لم يُبارح مكانه لأنّها امتدّت بعمل الرّوح).
أهميّة الرّوح أنّها تحمل معنى كلمة ريح في العبريّة. عند هبوبِ عاصفة، نحن لا نرى الرّياح ولكنّنا نرى نتائجها، مثل تحرّك الأشجار بقوّة. فكلّما كانت الرّياح قويّة، كلّما كانت نتيجتها أكثر ظهوراً في عيون النّاس. فالرّوح القدس هكذا يفعل، بمعنى عندما تقول “أشعر أنّ الرّوح داخلي” فأنتَ لم ترَ الرّوح ولكن رأيتَ نتيجة عمله بك من محبّة وعطاء وخدمة. إذاً “حَملَني الرّوح” يعني كلمة حزقيال تتنقّل ولا يستطيع أحدٌ إيقافها حتّى لو لم يسمعها النّاس ولو لم يقبلوها، ستبقى. والدّليل أنّنا سنموت جميعاً أمّا رسالة الله فستبقى وذلك يعني أنّكم لا تستطيعون إخفاء كلمة الله فلا يسعكم إلا الاستفادة منها، فإذا خبّأتموها ويلكم من غَضبِ الله، لأنّنا سنحرم من سيأتي بعدنا من الاستفادة منها. إذاً هذه مسؤوليّة. لذلك قال لتلاميذه “أعطيتكم مفاتيح السّماء” فقال الكهنة: “نحن وكلاء الرّسل فنستطيع إغلاق وفتح ما نريد” لكن هذا غير صحيح، فإذا أغلقتم فأنتم تغلقون في وجه الناس، وعندها الله سيعاقبكم لأنّ هذه مسؤوليّة وليست امتيازاً. فالكاهن بكلامه وبشارته وموقفه وسلوكه، يستطيع أن يسمعَه أحدٌ لتتغيّر حياته ويذهب إلى الله.
إذاً هذه هي المسؤولية وحزقيال فهم الأمر. “فسمعتُ خلفي صوت رعدٍ عظيم، مباركٌ مجد الرّب في ما من مكانه، وصوت أجنحة الحيوانات المتلاصقة الواحدٌ بأخيه وصوت البكرات معها، وصوت رعدٍ عظيم، فَحَمَلني الرّوح وأخذني، فذهبتُ مُرّاً في حرارة روحي، ويد الرّبّ كانت شديدة عليّ” (أيّ لم يكن الأمر سهلاً، ولكن يد الله كانت تقوّيه، فلن يخاف لأن الله أعطاه جبهةً كالألماس القادر على كسر الصّوان)، “فجئت إلى المَسبيّين عند تل أبيت الساكنين في نهرِ خابور حيث سكنوا. ويا ابن آدم قد جعلتك رقيباً لبيت إسرائيل” (الرّقيب هو الّذي يراقب، باليونانية هناك شي يدعى “ايبيسكوبوس” يعني الّذي نراقب من خلاله أيّ المجهر الذي يُراقب من الأعلى، ومن هنا جاءت تسمية “ايبيسكوبوس” أي الأسقف أو المطران الّذي يراقب التّعليم ويراقب السّلوك لتحسين الوضع. وهناك فرق بين المسؤول والرئيس، فالمسؤول هو الّذي وقع عليه السّؤال فيصبح هو المُجيب عن الأسئلة المطروحة من قِبل النّاس أمام الله، فالإنسان لا يريد أنّ يكون مسؤولاً لأنّه لا يريد أن يكون مجيباً لأنّه لا يملك إجاباتٍ، فلذلك وجد حلاً، هو أن يكون رئيساً ليطرح هو الأسئلة وغيره يجيب عليها. في الكنيسة، الله عيّننا مسؤولين.
يقول: “لقد جعلتك رقيباً في بيت إسرائيل” (الّذي يراقب هو حامل الكلمة. فكلّ شخصٍ يحمل كلمة الله له الحقّ بأن يُراقب لأنّه الشّخص الوحيد القادر على الإصلاح. القدّيس “خريستوفورس” اسمه ينقسم إلى شقّين “خريستوس” أيّ المسيح، و”فورس” أيّ حامل. وكلمة “خريستوفورس” تعني حامل المسيح، وهو الّذي يُراقب، أيّ ليس لدينا رقابة بمعنى الوظيفة وإنّما رقابةٌ بمعنى الرّسالة).
يقول: “فاسمع الكلمة من فمي وأنذرهم من قِبلي، إذا قلت للشّرير موتاً تموت، وما أنذرته أنتَ ولا تكلّمتَ إنذاراً للشّرير من طريقه الرّديئة لإحيائه، فذلك الشّرير يموت بخطيئته” (أنت لم تعرف دورك)، “أمّا دمه فمن يدك أطلبه” (فهذه هي المسؤوليّة. لقد جعل لتلاميذه مسؤوليّات كبيرةً جدّاً) “وإن أنذرت أنت الشّرير ولم يرجع عن شرّه ولا عن طريقه الرّديئة فإنّه هو يموت بإثمه، أمّا أنت فقد نجّيْتَ نفسك” (إذاً يطلب الرّبّ من حزقبال أن يوصل الرسالة بأمانة)، “والبار رجع عن دوره وعملَ إثماً، وجعلتُ مَعثرةً أمامه فإنّه يموت لأنّك لم تُنذره، يموت في خطيئته ولا يُذكر برّه الّذي عمله، أمّا دمه فمن يدك أطلبه” (الشّرير إذا لم تنذره ليتوب ويعود الى برّه، والبار إذا لم ترشده جيّداً ليبقى على طريق برّه، فإذا ابتعد عنه ستكون أنتَ المسؤول)، “وكذلك يد الرّب عليّ هناك وقال لي قمْ واخرج إلى البقعة، وهناك أكلّمك، فقمت وخرجت إلى البقعة فإذا بمجد الرّب واقفٌ هناك كالمجد الذي رأيته ولم نعرفه فخررت على وجهي (أي ركع ) فدَخل ِفيّ روحٌ وأَقامني على قدميّ، ثمّ كلّمني وقال لي: اذهب أغلق على نفسك في وسط بيتك، فها هم يضعون عليكَ رُغطاً ويقيّدونك بها، فلا تخرج في وسطهم وألصق لسانك بحنكك فتبكم ولا تكن لهم رجلاً مُوبّخاً لأنّهم بيت متمرّد” (إذاً سيأتي الوقت الّذي لا يستمعون فيه لأحد من شدّة تمرّدهم).
“فإذا كلّمتك، افتح فمك فتقول لهم هكذا قال الّسيّد الرّب، من يسمع فليسمع ومن يمتنع فليمتنع، لأنّهم بيت متمرّد” (التّمرد ليس حالةً موسميّة ولكن هو حالة لا عودة عنها لأنّنا لم نرَ أحداً تمرّد على حكم وعاد أدراجه في منتصف الّطريق، لأنّه لم يصل ولم تُصلح الأمور لأنّ كلّ متمرّد هدفه الوصول للنّهاية).
“وكان إليّ كلام الرّب قائلاً في الإصحاح الرّابع والثّلاثين: يا ابن آدم تنبّأ على رعاة إسرائيل” (الرّعاة هم المسؤولون) تنبّأ وقلْ لهم (كلمة تنبّأ تعني تكلّم بما قلته لك الآن وهنا) هكذا قال السّيد الرّب للرّعاة، “ويلٌ لرعاةِ إسرائيل الّذين كانوا يرعَوْن أنفسهم، ألا يرعى الرّاعي الغنم؟ تأكلون الشّحم، وتلبسون الصّوف وتذبحون السّمين، لا ترعون الغنم، المريض لم تقوّوه، المجروح لم تعْصِبوه، المكسور لم تُجْبِروه، المطرود لم تستردّوه، الضّال لم تطلبوه” (والقضيّة هنا، قضية الشّعور بالإنسان الآخر المحتاج، الإنسان المتروك) “بل بشدةٍ وبعنفٍ تسلّقتم عليهم، فَتَشَتّت بلا راعٍ، وصارت مأكلاً لجميع وحوش الحقل وتَشتّت، ضَلّت غَنمي في كلّ الجبال وعلى كلّ تلٍ عالٍ” (كانت المذابح الوثنيّة تُبنى على التّلال العالية لأنّهم يعتبرون أنّ هياكلهم يجب أن تكون في أعلى القمم. فإذا أنتم لم تهتموا بغنمي، ستتبع آلهةً أخرى وتُمارس عباداتٍ أخرى.
.إذا لم تطعم الجائع، فلا يكون خطأً أنّك لم تطعمه، ولكنّك تكون قد أرسلته إلى إله آخر غيري، وهو غير موجود، فقد أرسلته إلى الوهم والكذب، ويكون قد ترك الإله الحيّ وتبع الآبار الفارغة، وهذا تَمَرّد لأنّك تفرغ لي مملكتي)، “تشتّت غنمي ولا يكن من يسأل أو يفتّش. فلذلك أيّها الرّعاة اسمعوا كلام الرّبّ، حيٌّ أنا يقول السّيّد الرّبّ” (حيث إنّ غنمي أصبحت غنيمةً فيعني أنّها أصبحت فريسةً تُفترس بسهولة) “وصارت غنمي مأكلاً لكلّ وحش الحقّ، إذ لم يكن راعٍ، و سأل رعاتي عن غنمي، ورَعى الرّعاة أنفسهم ولم يرعوا غنمي، فلذلك أيّها الرُّعاة اسمعوا كلام الرّب هكذا قال السيد الرّبّ ها أنا ذا على الرّعاة” (أيّ ضدّ الرّعاة)، “وأطلب غنمي من يدهم وأكفّهم عن رعي الغنم” (أيّ سيعفيهم من مسؤوليّتهم).
“ولا يرعى الرّعاة أنفسهم بعد، فأخلّص غنمي من أفواههم” (بالنّسبة إلى الرّب الرّعاة الّذين لا يرعون غنمه هم بمثابة الذّئب)، “فلا تكن لهم مأكلاً، هكذا قال السّيد الرّب ها أنا أسأل عن غنمي وأفتقدها، كما يفتقد الرّاعي قطيعه يوم يكون في وسط غنمه مشتّتاٌ، هكذا أفتقد غنمي، وأخلّصها من جميع الأماكن الّتي تشتّت إليها في يوم الغَيْب والضّباب، وأُخرجها من الشعوب وأجمعها من الأراضي، وآتي بها إلى أرضها، وأرعاها على جبال إسرائيل في الأودية وفي جميع مساكن الأرض، أرعاها في مَرْعىً جديدًا جيّداً، ويكون مَراحها على جبال إسرائيل العالية، هناك تُربض في مرعى دسم يرعَوْن على جبال إسرائيل.
أنا أرعى غنمي يقول السّيد الرّب وأنا أطلب الضّال وأنا أستردّ المطرود وأنا أُجبرُ المكسور وأنا أَعصُب الجريح وأنا أُبيد السمين والقويّ، وأرعاها بعدلٍ. هكذا قال السّيد الرّب هكذا أحكم بين شاة وشاة، بين كباشٍ وتيوس، أهو صغيرٌ عندكم أن ترعَوْا مرعىً جيّداً وبقيّة مراعيكم تدوسونها بأرجلكم، وأن تشربوا من المياه العميقة والبقيّة تكدّرونها بأقدامكم، وغنمي ترعى من دَوْس أقدامكم وتشرب من قذرِ أرجلكم، لذلك هكذا قال السّيد الرّب ها أنا ذا أحكم بين الشاة السّمينة والشاة المَهزولة، لأنّكم دهستم بالجنب والكتف ونطحتم المريض بقرونكم حتى شَتَّتُموها إلى خارج، فأُخَلّصُ غنمي، فلا تكون من بعد غنيمة، وأحكم بين شاة وشاة وأقيم عليها راعياً واحداً فيرعاها عبدي داوود” (أيّ سأجعل شخصاً واحداً ملكاً) “وهو يرعاها وهو يكون لها راعياً وأنا الرّب أكون لهم إلهاً وعبدي داوود رئيساً في وسطها” (أيّ أنّ الرّب يريد شخصاً يجعله رئيساً وليس مسؤولاً).
“أنا الرّب تَكلّمت وأقطع معهم عهد سلام، أنزع الوحوش الرّديئة من الأرض، فَيسكنون في البريّة مطمئنون، وينامون في الوعور، وأجعلهم وما حول بَركَة وأنزل عليهم المطر في وقته”. إذاً نفهم كلام يوحنا الإنجيليّ في الإصحاح العاشر “أنا هو الرّاعي الصّالح وأعرف رعيّتي وهي تعرف صوتي، ولديّ رعيةٌ أخرى غير هذه، وسأذهب لجمعها إلى حظيرة واحدة” (إذاً هو الرّاعي فكيف أَتَم يسوع رعايته ورئاسته على البشر؟ عندما مات أُعلن نهائياً أنّه الرّاعي الوحيد الصّالح وإلى الأبد على الصليب، حيث قال إنّه ليس لديه مكانٌ ليسنُدَ رأسه).
إذاً الرّعاية تأتي من المصلوبية ولا تأتي من الصّالبيّة (يعني أنّك لا تَصلُب لتكون مسؤولاً، وإنما تُصلَب لتكون مسؤولاً، أيّ إنّك فهمت الموضوع بطريقة خاطئة، فاذهب لإفهام حقيقة الأمر لهذا الشعب المتمرد). “أنا إلهكم يقول السّيد الرّب (أيّ ليس لديكم أحدٌ آخر ولكنّكم تَتَوهّمون بوجود إلهٍ غيري) وأُقيم لهم غرساً فلا يكن بَعد منفيي الجوع في الأرض، ولا يحملون بَعد تعيير الأمم، فيعلمون أنّي أنا الرّب إلههم معهم وهم شعبي”.
إذاً ما يسعني قوله إنّ يسوع المسيح على الصّليب تبيّن لنا أنّه الرّاعي والرئيس والملك والقاضي والمحامي والدَّيّان… واختصرهم جميعاً بجملةٍ واحدةٍ “اغفر لهم يا أبتاه لأنهم لا يدرون ماذا يفعلون” لكن هناك أمرٌ واحدٌلم ينجح مع يسوع لأنّه لم يُرد أن يُنْجِحَهُ، لأنّه لم يُرد ولم يَقبل أن يكون عادلاً فكان رحيماً.
ملاحظة: دُوِّن الشرح بأمانةٍ من قِبلنا.