انطلاقة جماعة “أذكرني في ملكوتك”،
كنيسة سيّدة أمّ الأطفال – ايلات، عكار.
عِظة القدّاس الإلهيّ للخوري كامل كامل، خادم الرعيّة:
باسم الآب والابن والرُّوح القدس، الإله الواحد، آمين.
أحبَّائي، ها نحن نتقدَّم، في زمن الميلاد المجيد، نحو هذا العيد المبارك، الّذي فيه ننتظِر أن يولد يسوع في بيوتنا وقلوبنا.
نحتفل اليوم، في أحد زيارة العذراء مريم لِنَسيبتها أليصابات؛ كما نعيش اليوم أيضًا ذِكرى “عيد البربارة” مع أولادنا الصِّغار ومع عائلاتِنا: الشَّهادة المسيحيّة الجميلة حتّى الاستشهاد. كذلك في هذا الأحد، نحتفِل بِانطلاقةَ جماعة “أذكرني في ملكوتك” في هذه الرعيّة. إنِّي أشكر الأب إيلي القدِّيسي الّذي عرَّفني على هذه الجماعة، كما أشكرُ الربَّ أيضًا على وجود هذه الجماعة، إذ إنّنا معًا نَذكُر أمواتنا. نُقدِّم هذه الذَّبيحة الإلهيّة اليوم مِن أجل راحة أنفس الموتى الّذين دوَّنا أسماءهم في السِّجل الموضوع على باب الكنيسة، كما نَذكُر جميع أمواتنا. في كلّ ذبيحةٍ إلهيّةٍ نقدِّمُها من أجل موتانا، سيَكون هذا السِّجل موضوعًا عند باب الكنيسة، فيُسجِّل الدَّاخلون إليها أسماء أمواتهم. هكذا، نعيش هذه الشَّراكة بين كنيسة الأرض، الكنيسة المجاهدة، والكنيسة الظّافرة المنتَصِرة، لأنّنا نُشكِّل جميعًا كنيسةً واحدة.
في أحد الزِّيارة، يُخبرنا الإنجيليّ لوقا أنّ مريم قد قامَتْ مِن مَكانِها وأسرَعَتْ إلى اللِّقاء. بعد البشارة، لم تستَطِع مريم البقاء في منزِلها، ولم تَقل في نَفسِها: “ما لي وللآخَرين”، فقد نِلتُ ما أردتُ فَلأتنعَّم به وحدي؛ بل على العكس مِن ذلك، تحرَّكَتْ مباشَرةً. وفي هذا التَّحرُك، حَرّكَتْ معها الحُبّ بَعدَ سُباتٍ طويلٍ. اليوم، أحبّائي، يحتاج هذا الحُبّ إلى مَن يُحرِّكه: فكما أنّ الطَّنجرة تَحتاجُ إلى مَن يُحرِّكها كي يَنضُجَ الطَّعام الموجود فيها، كذلك الحُبّ في حياتنا، يحتاج إلى مَن يُحرِّكه، حتّى وإن كُنّا نَعتقَد أنّ هذا الحُبّ لا يُمكِنُه أن يتحرَّك. لاحظوا معي إخوتي، مَع مَن حرّكَتْ مريم هذا الحُبّ! لقد حرّكَتْ مريم هذا الحُبّ مع امرأةٍ عجوز قد أصبح رَحمُها عاجزًا ويابسًا. انطلقَتْ مريم، وذَهَبَتْ إلى أليصابات، والمفاجأة كانت أنَّ رَحم هذه العجوز قد تحرَّكَ عند زيارة هذه المرأة الصَّبيّة أي مريم، لها. إذًا، في هذا المشهد، نلاحظ وجود امرأتين: واحدةٌ صبيّةٌ وأُخرى عجوز. عادةً، في الرَّعايا أو في مجتمعاتنا، غالبًا ما يتمَّ وَصف الصّبايا بِالـ”صَّغيرات”، والعجائز يتمَّ وَصفُهنَّ بأنَّهنَّ مُصاباتٌ بالخَرَف. ولكن، من خلال هذا الإنجيل، نكتشِف أنّ هؤلاء النِّساء العَجائز يحتَجْنَ هُنَّ أيضًا إلى مَن يُحرِّك الحُبّ فيهنَّ مِن جديد. مِن خلال هاتين المرأتَين اللّتَين تكلَّم عليهما نصّ الإنجيل اليوم، لم يتحرَّك فقط الحُبّ في بيت زكريّا، إنَّما تحرّك الحُبّ في العالم كُلِّه. ما الّذي يَجمعنا اليوم، نحن الموجودون هنا؟ ما يجمعُنا هو حُبّ المسيح، إذ إنّنا قد عَلِقنا جميعًا في صنَّارته فأصبَحنا خدَّامًا له. هذا هو “مَرَض الملكوت” الّذي لا يُمكِنُنا التَّخلُّص منه.
اجتاحَ هذا الحُبّ بيت أليصابات، لأنَّ مريم قد حرّكَتْ الحُبَّ فيه، بكلِّ بساطة. لذا، علينا ألا نَطرح السّؤال على ذواتنا، قائلين: ماذا ينفع أن نقول هذا الكلام، أو أن نقوم بهذه الزِّيارة، في عالمٍ، قد أصبحَ جامدًا ومليئًا بالحُروب والمشاكل؟! وكذلك، علينا ألا نَطرح السُّؤال على ذواتِنا حول أهميّتنا، فنَقول: “مَن أنا حتّى أُحرِّك الحُبّ؟”. إنّ أليصابات قد هَنَّأتْ نفسَها بوجود مريم في بيتِها، فقالَتْ لها: “مَن أنا، حتّى تأتي إليّ أُمّ ربّي؟”. إنّه لَأمرٌ حَسنٌ أن تَقفَ أمام القربان وتقول: “مَن أنا، حتّى أستقبِلَ ابن الله في حياتي؛ أنا المحدود أن أستقبِلَ غير المحدود، أنا المائت أن أستقبل غير المائت؟! لا أن تقول: مَن أنا حتّى أتمكَّن من تَحريك الحُبّ في العالَم؟ إخوتي، لقد اختار الربُّ كلَّ واحدٍ منّا. إذًا، أنتَ ممسوحٌ باسِمِ الربّ، وأنت مُعمَّد باسِمه وقد قِبلتَ الميرون وحصَلت على نِعمة الكَهنوت. إخوتي، لسنا فقط، نحن الكهنة، مَن حَصَلنا على نِعمة الكَهنوت: إنّ جميع المؤمِنين قد حصلوا على كهنوت الملوك، وكهنوت النُّبوءة؛ أمّا الكهنة فلَديهم إضافةً إلى هذين الكهنوتَين، كهنوت الخِدمة.
إذًا، نحن المؤمنون بالربّ، قد أصبَحنا مسؤولِين عن تحريك هذا الحُبّ في هذا العالَم: في أحشاء النَّاس، في قلوب النَّاس، فَيَعصِفَ فَرحًا وسلامًا. إنّ فَعَلة السّلام، في هذا الإنجيل هُم: فتاةٌ صغيرةٌ، وامرأةٌ عجوزٌ وجَنِينَين. في مجتمعنا الاستهلاكيّ اليوم، يَتمّ استغلالَ الصَّبيّة، ورَمي المرأة العجوز وإهمالِها، وإجهاض الجَنين. إنّ هذا الإنجيل يُشكِّل انطلاقةً لنا إذ يُقدِّم لنا مفتاح الحُبّ ألا وهو: اجتياح العالَم بِحُبّ المسيح.
أحبَّائي، في هذا المشهد، ليس هناك مِن ذكور: زكريّا غائب، أي أنّ كلّ أصحاب الامتيازات غائبون. لا يوجد ملوك في هذا المشهد: هيرودس غائبٌ لأنَّه مُنشَغلٌ في البحث عن الحُبّ ليَقتُلَه في الـمَهد. لا يوجد، في هذا المشهد، إلّا مَن يَحمِل الحُبّ ومَن هو على استِعداد لاستقباله. في هذا العالم، هناك مَن يُشعل الحُبّ وهناك مَن يُطفِئه؛ هناك مَن يَبني وهناك مَن يَهدُم؛ هناك مَن يُوسِّع وهناك مَن يُضيِّق؛ هناك مَن يزور الآخَرين حاملاً معه الرّب يسوع وهناك مَن يزور الآخَرين حاملاً معه الشَّيطان. وأنتَ: ما هو قرارُك وما هو خيارُك؟ هل تريد فقط أن تبقى متفرِّجًا أم أنَّك تُريد أن تَضَع يَدَك وتُساعِد؟! إنّ السِّيِّدات في رعيّتنا، قرَّرنَ أن يساعدْنَ هذه الكنيسة لِتَكون في حُلَّة جديدة، – عفاهنَّ الله- فَحضَّرنَ هذه الزِّينة وهذه المغارة، كما حضَّرنَ الضِّيافات الّتي سنتناولها في نهاية القدَّاس، الأطايب بِمُناسبة عيد البربارة. وبالطَّبع، لا ننسى أيضًا، هؤلاء النِّساء اللّواتي حَمَلن إلينا اليوم جماعة “أُذكرني في ملكوتِكَ”. إنّ هذه الكلمة الجميلة قد قالها اللِّص على الصَّليب: كلمةٌ واحدةٌ فقط: “أذكرني في ملكوتِكَ”، فأتاه جواب الربِّ عليها، الّذي كان جاهزًا وحاضرًا: إليكَ ما تُريد أيّها اللِّص، “اليوم تكون معي في الفِردَوس”. في تلك الأيّام وفي كلّ الأيّام، لا زالت مَريم، تلك الفتاة الجميلة، الّتي بَقيَت شابَّةً ولم تُصبح عجوزًا، والّتي لم تُوضَع جانبًا، مستعدَّةً لتحريك الحُبّ. لا زالَتْ مريم هي سيِّدة البيت، الـمُستعدَّة دائمًا كي تَدخُل إلى كلّ بيوتنا وإلى كلّ نفوسنا، وإلى كلّ أرجاء العالَم. جميعُ النَّاسِ هُم بحاجةٍ إلى الحُبّ، وكُلُّ النَّاس هُم بحاجة إلى السَّلام، وكلُّ النَّاس هُم بحاجة إلى الرُّوح القدس، وكلُّ النَّاس هُم بحاجة إلى المجانيّة، وكُلُّ النَّاس هُم بحاجة إلى الصَّلاة. لا يقل أحد مِنّا إنّه ليس في حاجة، أو أنّ موتاه ليسوا في حاجة: عندما تُصلِّي مِن أجل موتاك، إذا كانوا في الملكوت، فإنَّ صلاتُكَ مِن أجلهم ستَعود بالمنفعة لك، لأنَّها صلاة القدِّيسين؛ أمّا إذا كان أمواتُكَ ما زالوا بحاجة إلى صلاتِكَ، لأنَّهم لم يَصِلوا بَعد إلى الملكوت، فبالطَّبع صلاتُكَ مِن أجلِهم، سَتنفَعُهم بِكُلِّ تأكيد. إنَّ الجميع بحاجة إلى فَرَح القلب، في هذا الواقع الأليم، كي نتمكَّن من جديد مِن أن نَبعثَ الرَّجاء في النُّفوس ومن أجل إراحة النَّاس الَّذين أتُلِفَت أعصابهم جرَّاء تَراكُم الصَّدمات الـمُظلِمة والكَئيبَة. هذه العاصفة من الحُبّ قد وَضَعَتْها مريم، من خلال وجودها في بيت زكريّا: فهي لم تُلقِ العِظات على الحاضِرين، ولكن بمجرَّد وصول مريم إلى بيت أليصابات، اجتاحَ الحُبّ والفرح والبهجة هذا البيت وتحرَّكَ الجنين في أحشاء أليصابات. نحن اليوم، بحاجة ماسّةٍ إلى أن تتحرَّك الأجِنَّة في قلوبِنا جميعًا. إنَّ يسوع الّذي حَمَلته مريم مُسرعةً إلى بيت زكريّا – وهو كاهنُ الربّ- ، ومِن خلاله إلى بيوت العالَم أجمع، هو أميرُ السّلام، وسيِّد التَّاريخ. لو قام البَشر بما قامَت به مريم، لكان امتلأ العالم بالحُبّ. وكم هو جميلٌ، أن نقوم نحن الحاضرون اليوم في هذه الكنيسة بما فَعلَته مريم، فنَحمِلَ يسوع إلى بعضنا البعض، هذه الهديّة الجميلة.
ما الّذي تنتظره في عيد الميلاد؟ أن تَضع زينةً على الشَّجرة! علِّق البُغض الّذي فيك على الشَّجرة، علِّق العَفَن الّذي في قلبك على الشَّجرة، علِّق أنانيّتك على الشَّجرة، واسمح للربَّ أن يُضيء فيك، واسمَح للأمَل أن يُضيء فيك أربعًا وعشرين ساعةٍ على أربعًا وعشرين. لو كُنّا نقوم بما قامَتْ به مريم، لكان العالَم استيقَظ على خَبرٍ مَفادُه أنَّ الحروب قد انتَهَتْ. عندما يجتاح الربُّ يسوع البيوت ستَزول الانقسامات بين أفرادها، وسيَزول الطّلاق منها وسيَنتهي كُلُّ ما مِن شأنه أن يَهدِمها ويُفكِّكها. عندما يجتاح الربّ يسوع البيوت، سَنَرى الأولاد في علاقةِ موَّدةٍ في ما بينِهم، وسيكونون على توافقٍ مع أهلِهم ومُرافِقين لهم؛ ولن نرى عندها عَجَزةً متروكين وحدهم في دُور العَجزة وفي الأماكن البارِدَة حيث ما مِن أحدٍ يهتَّم بهم. عندما يجتاح يسوع البيوت، لن يعود هناك مِن فقراء، لأنَّ يسوع هو بُشرى سارَّة لكلّ هؤلاء النَّاس. أحبّائي، تُرى هل حُلمُنا هو حُلمٌ طوباويّ أو حُلمُ أطفال صِغار؟! لا، أبدًا، هذا هو الواقع الّذي تعيشهُ عائلاتٌ وجماعاتٌ كثيرة في الكنيسة، ومنها جماعة “أذكرني في ملكوتِكَ”. وإذا سألْنا جماعة “أُذكرني في ملكوتِكَ”، لماذا تَضَعون هذا الوِشاح الأبيض؟ ألا يرمز إلى السّلام؟! وإلى القيامة؟! ألا يرمز إلى الانتصار على الموت؟! ومَن انتصر على الموت؟ هو الربّ يسوع! فلنَضعْ يَدَنا بِيَدِ الربّ ولنُعاهِده نحن أبناؤه على مِثال مريم، أن نَحملَه إلى العالَم، فلا نقول في ذواتنا: “مَن أنا؟ حتّى أحمِلَك يا ربّ إلى الآخَرين؟”؛ فأنتَ يا ربّ قد أعطيتنا قيمةً كبيرة، لذا، أنا أستطيع أن أحمِلَك إلى العالَم. بالطَّبع أمام هذا الحُبّ العظيم، عليّ أن أتواضع، كما فَعَلَتْ أليصابات، وحينها مجدَّدًا سيَسود الحُبّ في هذا العالَم وسينتصر يسوع في كلِّ البيوت وفي كلِّ النُّفوس وكلِّ القلوب.
أحبّائي، أهلاً وسهلاً بكم، جماعة “أُذكرني في ملكوتِكَ”، ونَشكُركم لأنَّكم أتيتُم إلينا مِن مكانٍ بعيدٍ جدًّا في هذا النَّهار الجميل. أتقدَّم مجددًا بالشُكر الكبير إلى أبينا سِمعان الّذي يُشاركنا في هذه الذّبيحة الإلهيّة، وهو ابن هذه القرية، ونحن اليوم نَذكر أخاه في هذه الذبيحة الإلهيّة؛ كما نَذكر أبانا إيلي مع كلّ موتاه، هو الّذي عرَّفنا إليكم، وأغلبيّة الموجودين هنا قد كانوا من رعيّته، في مار يوسف المطيلب. وقد قال لي أحدكم، إنّكم تحبّونه كثيرًا وأنَّكم قد اشتقتم إليه، لأنَّه قد تَرَك بصمةً جميلةً جدًّا وأثرًا جميلاً في الرعيّة الّتي تنتَمون إليها. آمين.
ملاحظة: دُوِّنت العِظة ِبأمانةٍ مِن قِبَلِنا.