انطلاقة “أذكرني في ملكوتك”،
كنيسة دير راهبات القربان الأقدس – كفرمسحون – جبيل.
عِظة القدّاس الإلهيّ للأب شربل حواط، خادم الرعيّة:
باسم الآب والابن والروح القدس، الإله الواحد، آمين
في هذا النَّهار المبارَك، نحتفِل بِحَدَثين مُفرِحَين، ونَعيشهما في العمق: الحدَث الأوَّل هو عيدُ ميلاد أمِّنا مريم العذراء، والحدَث الثَّاني هو ولادةُ جماعةِ “أذكرني في ملكوتك” في هذا الصَّرح المبارَك، الّذي منه تَنطلق، فَنُصلِّي معها ومِن خلالها مِن أجل أمواتنا.
في هذا النَّهار المبارَك، نتأمَّل وإيّاكم في ما يلي:
“لا أحد يُشعِل سِراجًا، ويُخفِيه تحت وعاء”: إنّ أُمَّنا مريم العذراء أعطاها الربّ أن تَعكس نورَه الكامل لهذا العالَم، وقد قال عنها في هذا الإنجيل: “إنّ أمِّي وإخوتي هُم هؤلاء الّذين يسمعون كلمة الله”. مِن خلال هذه العبارة، يريد الله أن يقول لنا إنّ عظمةَ مريم العذراء، أُمَّه، لا تكمن فقط في أنّها والدَتَه في الجسد الّتي مِنها تجسَّد، بل إنّ عظمتَها وطوباويّتها وقداستها والشُّعلة الّتي توقِد سراجها تكمن في كونها المرأة الّتي سمِعَت كلمة الله وعاشتها إلى أقصى الحدود.
كي نتمكَّن إخوتي، مِن أن نفهم في العمق موقِفَ مريم العذراء ومِن أن نربط موقفَها بالموت أو بِهذه الجماعة الـمُصَليّة مِن أجل أمواتنا، سنتوَّقف عند مشهد يسوع على الصَّليب.
إنّ مشهد يسوع على الصَّليب، يَقسم النّاس الموجودين بالقُربِ منه إلى مجموعَتَين:
- القِسم الأوّل من النَّاس هُم أولئك الّذين كانوا يَنظرون إلى الصَّليب، على أنّه نهايةُ كلِّ شيءٍ، وهو بالنِّسبة إليهم يَرمز إلى الفَشل والضُّعف. لذلك، نَراهم يهزؤون بالربّ قائلين: ها هو يسوع الّذي كان قَويًّا في السّابق يُخلِّص الكثيرين، قد أَصبح إنسانًا ضعيفًا، غير قادرٍ على أن يُخلِّص نفسَه. هذا أيضًا ما عبَّر عنه أحد اللِّصَين اللّذين كانا إلى جانبه، إذ قال له: إذا كُنتَ حقًّا ابن الله، خلِّص نفسَك وخلِّصنا! أظهِرْ لنا قوَّتَك الآن، وأَظهِرْ لنا أنَّك لَستَ فاشِلاً! هذا هو الموقف الأوَّل الّذي قد يتَّخذه الإنسان أمام الصّليب، وقد كان هذا أيضًا موقِفَ الرُّسل، إذ هربوا جميعًا.
- القِسم الثّاني من النَّاس يَتمثَّل بِمَريم العذراء، الّتي كانت واقفةً عند أقدامِ الصَّليب. إنّ هذا الوقوف ليس فقط وقوفًا جسديًّا وَحَسب، بل هو وقوفًا روحيًّا. فَعَلى الرُّغم مِن الحزن الّذي كانَتْ تَشعُر به مريم العذراء أمام الصَّليب، بَقيَت واقفةً، لأنّها كانَتْ تتحلَّى بِقوَّة إيمانِها بِالكَلِمة، فهي كانت تُدرِك أنَّ يسوع سيَقوم من بين الأموات، لأنّها كانت تُؤمِن أنَّ بعد الموت هناك قيامة.
كما يُجسِّد هذا الموقف أيضًا، اللِّص الثَّاني الّذي كان إلى جانب يسوع، حين قال له: “أُذكرني يا ربّ، متى أتيتَ في ملكوتِكَ”. وهذه الجملة لا تَكتَمِل إلّا بِجَواب يسوع الّذي قال لهذا اللِّص: “اليوم تكون معي في الفردوس”. إنّ كلمة “اليوم” تُشير إلى أنّ القيامة لَيسَت أمرًا مؤجَّلاً: إنّ انتظارنا للقيامة الثّانية لأمواتنا، لا يعني أبدًا أنّ أمواتنا الآن قد انتهوا وزالوا، بل يعني أنّ أمواتَنا قد قاموا الآن، وَهُم أحياء مع الربّ وَهُم موجودون في هذه اللَّحظة معه في الملكوت. إنّ القيامة هي بِنتُ هذه اللَّحظة وهي لَيسَت أمرًا مؤجَّلاً إلى نهاية الأزمنة. في نهاية الأزمنة، ستَكون هناك القيامة العامّة، ولكنَّ أمواتنا هُم منذ اليوم وفي هذه اللَّحظة تحديدًا، أحياء مع الربّ؛ هذا ما يقوله الرب في القِسم الثَّاني مِن جوابه لهذا اللِّص على الصَّليب: ” اليوم تكون معي في الفردوس”. أمواتُنا لَيسوا في مكانٍ بعيد، بل هُم في الملكوت مع الربِّ يسوع المسيح. في هذا اليوم، وفي هذا العيد المبارَك، علينا أن نختار! إمّا أن نَكون مِن بين الّذين يَنظرون إلى الموت على أنّه نهايةُ كلّ شيء، وأنّه دليلٌ على فَشَلٍ وضُعفٍ؛ وإمّا أن نَكون على مِثال العذراء مريم الّتي بَقيَت واقفةً أمام الصَّليب، لأنّها مُتَمَسِّكة بإيمانها ورجائها بالله، فنَتَّخذُ موقف اللِّص التائب في هذه اللَّحظة، فننال الملكوت. آمين.
ملاحظة: دُوِّنت العِظة مِن قِبَلِنا بتصرُّف.