على طريق القداسة،

بقلم الأب ريمون جرجورة، كاهن رعيّة الميلاد الإلهيّ – الحضيرة، بيت الشعار،

صحيحٌ أنّنا موسومون بالموت وبالخطيئة، ونحن بحاجةٍ ماسّةٍ إلى الخلاص والتحرّر. لكنّ الله لا يفتّش عنّا لأنّنا خطأة، بل بالرّغم من رفضنا ومن خطيئتنا، فهو يتمسّك بنا ويثابر حتّى النّهاية لكي يجعل منّا أبناءه. فلنأخذ مثالاً على ذلك الأيقونة المتضرّرة؛ فنحن لا نحافظ عليها لأنّها متضرّرة، بل لأنّه مهما كان الضرر كبيرًا، فهي ما زالت تمثّل حضور الله.

منذ القرون الأولى أعاد المسيحيّون قراءة العهد الأوّل فاعتبروه تحضيرًا بطيئًا لبروز المسيح المائت والقائم الذي يجد فيه الآب التحقيق الكامل لهذا العهد. والمسيحيّون الأوائل قرأوا كلّ تاريخ الخلاص على ضوء المسيح القائم من الموت، وتعرّفوا إليه في كلّ صفحةٍ من صفحات هذا التّاريخ. “وكم تشوّق أبوكم إبراهيم أن يرى يومي، فرآه وابتهج” (يو 56:8).

ما نسمّيه “تاريخ الخلاص” ليس إذاً المغامرة الطّويلة والـمُضنية للإنسان لكي يفوز بالله، مجاهدًا لكي يستحقّ حبّه ويفوز بغفرانه. هذا ليس إلاّ برج بابل حيث يسعى الإنسان للوصول إلى الله والحصول منه على خدمات. إله الوعد والعهد وإله المسيحيّين الذي يدعونه “أبًا” على مثال يسوع، هو الإله الذي لا يتوقّف عن إعطاء ذاته ويسامح باستمرار. لأنّ العطاء والغفران هما جزءٌ من كيانه ومن هويّته. قيامة يسوع المسيح تَظهرُ إذاً كقمّةٍ في مجموعة مبادرات، حيث لا يتوقّف الله عن العطاء وعن الغفران. إنّه يُقيم الأنبياء في وسط شعبه ويُقيم ابنه من الموت. هو البادئ والمبادر دومًا. لهذا نتجرّأ في النّهاية وندعوه أبًا.

القداسة هي الطريق إلى الله، وهنالك الذين وصلوا إليه وشاهدوا وجهه و “غسلوا حُلَلَهم بدم الحمل”. أمّا نحن الذين ما زلنا نتابع المسيرة على هذه الأرض، فماذا علينا أن نفعل لكي نصِل إلى حيثُ وصلوا؟  وكيف نتقدّس؟

الحبّ هو أن تفكِّر بالآخر قبل أن تُفكّر بنفسك، وإذا كنتَ تحِبُّ بهذه الطريقة، فأنتَ إذن تتقدّس.

أن تخدمَ هو أن تلبّيَ حاجة الآخر قبل حاجتكَ. وإذا كنت تخدم بهذه الرّوحيّة، فأنتَ إذن تتقدّس.

الإيمان هو أن تعيَ في العمق أن الذي تضع فيه ثقتك لن يخذلك أبداً. إذا آمنتَ هكذا، فأنتَ إذن تتقدّس.

الشّفافيّة هي أن يعكس النّورُ الذي يُضيء حياتكَ أجمل ما عندكَ من صفاتٍ وخبراتٍ، من نِعَمٍ ومواهب، ويضعها في خدمة الخير العام. وإذا كنتَ شفّافاً في علاقاتك الإنسانيّة، فأنتَ إذن تتقدّس.

إذا عِشتَ ثابتًا في الإيمان، مثابراً على الرّجاء، مُتجذِّرًا في المحبّة، غيوراً في الخدمة، شفّافًا في المسؤوليّة، فلا بُدَّ مِن أن يُشرق نور المسيح في حياتك ويحوّلك إلى منارةٍ تهدي الجميع إلى طريق الحقّ، طريق القداسة.

إذا كنتَ ما زلتَ تجد صعوبة في الأمر، فلا تنسَ أبدًا أنّ المسيح مات ثمّ قام ليَهبَنا الحياة الأبديّة، ولا تنسَ أن تنظر إلى هذا الجمع الغفير من المخلَّصين الذين غسلوا ثيابهم بدم الحمل. فهؤلاء كانوا مثلك يعيشون في الزمان والمكان، وها هم اليوم يعيشون في قلب الله. القداسة ليست صعبةٌ ولكنّها تتطلّب جهادًا والتزامًا ومثابرةً في الحياة اليوميّة.

Instagram
Copy link
URL has been copied successfully!
WhatsApp