تفسير الكتاب المقدّس،

الأب ابراهيم سعد،

“سِفر المزامير – المزمور 103” 

“باركي يا نفسي الربَّ ويا جميعَ ما في باطني لاسمِهِ القدُّوسِ. باركي يا نفسي الربَّ ولا تنسَيْ جميع حسناتِهِ. الذي يَغْفِرُ جميعَ ذنوبِكِ. الذي يشفي جميع أمراضِكِ. الذي يُنجّي من البِلى حياتَكِ. الذي بالرَّحمةِ والرأفةِ يُكلِّلُكِ. الذي يُشبِعُ بالخيراتِ مشتهياتِكِ، فيتجدَّدُ مثلَ النَّسْرِ شبابُكِ.
الربُّ يُجري الرحمةَ والإنصافَ لجميعِ المظلومين. عرَّفَ موسى طرقَهُ وبني إسرائيلَ مشيئاتِهِ. الربُّ رحيمٌ ورؤوفٌ وطويلُ الأناةِ وكثيرُ الرَّحمةِ.
لا يَسخط على الدوام ولا يَحقِدُ إلى الأبدِ. لا حَسَبَ آثامِنا عامَلَنَا ولا حَسَبَ خطايانا جازانا. لأنه بمقدارِ ارتفاعِ السَّماءِ عن الأرضِ عظَّمَ الربُّ رحمتَهُ على خائفيه. وبمقدارِ بُعْدِ المشرقِ عن المَغرب أَبْعَدَ عنا معاصينا. كما يرأفُ الأبُ بالبنين يرأفُ الربُّ بخائفيه. لأنه يعرِفُ جِبلَتَنا ويَذكرُ أننا إنما نحنُ ترابٌ. الإنسانُ مثلَ العشبِ أيامُهُ وكزهرِ الحقلِ كذلك يُزهِرْ. لأنه إذا هبَّتْ عليه الريحُ يتلاشى ولا يَعرِفُه موضعُه مِن بَعد. أما رحمةُ الربِّ فمِن الأزلِ وإلى الأبدِ على خائفيه وبِرُّه على أبناءِ بَنيهم. على الحافظينَ عهدَهُ والذاكرين وصاياه ليَصنعوها.الربُّ في السماءِ شيَّدَ كرسيَّهُ ومملكتُهُ تَسُود على الجميع. باركوا الربَّ يا جميعَ ملائكتِهِ المقتدرينَ بقوّته العاملين بأمرهِ عند سَماعِ صوتِ كلامِهِ. باركوا الربَّ يا جميعَ قوَّاتِهِ ويا خُدَّامَهُ العاملينَ إرادتَهْ. باركوا الربَّ يا جميعَ أعمالِهِ. في كلِّ مَوضعٍ من مواضعِ سيادتهِ. باركي يا نفسي الربّ”.

شرح النصّ الكتابيّ:

ينتمي هذا المزمور إلى فئة مزامير التّسبيح والتبريك، ولكنه لا يخلو من التنوّيه إلى ملكية الله وقدرته، إذ يتضمّن ألفاظا كالعرش- الكرسّي، والمملكة، ولكن الفرق بينه وبين المزامير السابقة أنه ينحو نحو الطابع الوجدانيّ بشكل أكبر، لأن المرنّم يخاطب ذاته وكأنه يطلب منها أن تبارك الربّ، وهذا نمط شعري موجود، وقد تتشابه فيه بعض الأسطر من حيث المعنى، وليس هذا إلا استخداماً لأسلوب التوكيد على غاية الكاتب. وهذا المزمور ضخم جدا من حيث المعاني، فكل سطر منه يفتح آفاقا واسعة للتأمل.

“باركي يا نفسي الربَّ ويا جميعَ ما في باطني لاسمِهِ القدُّوسِ”. نجد دعوة إلى تسبيح الربّ، يدخل فيها المرنّم إلى أعمق أعماق نفسه، ليسبح كلّ ما فيه الربّ، فهو يدرك أنّ الله يتملّك كل ما فيه، لذا على كلّه أن يعلن البركة. وهذه هي الدعوة الأولى للإنسان، تعلّمه أنه لا يستطيع أن يجزئ ولاءه للربّ، إما أن يكون له بكليته أو لا يكون، إذ يقول في الكتاب المقدس “يا بنيَّ أعطني قلبك”، والقلب بالعبرانية هو اللب، أي الكل. كما يقول الكتاب أيضا: “بلسانهم فقط يسبحونني أما قلبهم فهو بعيد عني”، للدلالة على وجود فصام في الشخصية الروحية لدى الإنسان، وهذا أمر نقع فيه كثيرا، كنوع من الصراع بين واجبنا تجاه الله وبين العلاقة الحقيقية الصادقة التي تجمعنا به. ويزداد هذا الصراع حدة عند ارتكابنا لخطيئة تعذبنا، أو عند وقوعنا في الشدائد، أو حتى عندما نكون سعداء، فالفرح أيضا قد يكون سببا يؤدي بنا إلى الابتعاد عن الله، والكتاب يقول: “اذكر ربك أيام شبابك”، أي عندما يكون الإنسان قادرا على فعل كل شيء لأنه يعرف أن الرب هو القادر على كل شيء، وليس في شيبه فقط عندما يبدأ بالتراجع نحو الموت.

“باركي يا نفسي الربَّ ولا تنسَيْ جميع حسناتِهِ”. فالمشكلة الأولى عند الإنسان هي نسيان الله، والرحمة الكبرى للإنسان هي النسيان عند الله؛ لأننا نحن إن نسينا، فننسى ربنا، أما الله إن نسي، فهو ينسى خطايانا وهذا فرح عظيم لنا. أي علينا ألا ننسى ما يحسن الله به علينا.
الذي يَغْفِرُ جميعَ ذنوبِكِ. الذي يشفي جميع أمراضِكِ. وهنا نجد ربطا بين الخطايا والأمراض، فسبب كل مرض في الفكر اليهودي هو الخطيئة، وحتى الآن إن مرض أحدنا يسأل الله “ماذا فعلتُ؟”. فالمرنم يشدد على أن غفران الذنوب وشفاء الأمراض أمران مرتبطان ارتباطاً وثيقاً، وهذا يذكرنا بقول يسوع لكل مريض شفاه: “اذهب ولا تعد تخطئ بعد”.
الذي يُنجّي من البِلى حياتَكِ. الذي بالرَّحمةِ والرأفةِ يُكلِّلُكِ. فالربّ يحيطنا ويحمينا بالرحمة والرأفة، وهنا نجد صورة الأم في المزمور لاستخدام المرنم كلمة الرحمة المشتقة من الرحم – رحم المرأة- وسنجد بعد قليل صورة الأب، فإله الكتاب المقدّس يتخذ صورة الأم والأب، وهذا أمر غريب.

“الذي يُشبِعُ بالخيراتِ مشتهياتكِ، فيتجدَّدُ مثلَ النَّسْرِ شبابُكِ”. فالنسر هو صورة القوة والعنفوان، والكثير من البلاد، حتى امبراطورية بيزنطية، اتخذت من النسر رمزا لها. كما رمز للإنجيلي يوحنا بالنسر، لأنه كان يحلق عاليا في اللاهوت. فالآيات السابقة جميعها تتضمن معنىً واحداً مشتركاً، وفيها دعوة للإنسان لئلا ينسى عمل الله فيه وهو العنوان الأول في المزمور.
الربُّ يُجري الرحمةَ والإنصافَ لجميعِ المظلومين”. وهنا يبدأ العنوان الثاني. فالمظلوم لا ملجأ له أو مأوى إلا الله، لأن الناس لا يمنحون لا الرحمة ولا الإنصاف. فالعدل لا وجود له في هذه الدنيا، والناس لا يعدلون ولا يرحمون. أما الله فهو يملك العدل إلا أنه لا يستخدمه، بل يستخدم الرحمة. لأن الله لو عاملنا بحسب عدله كما نستحق، لذهبنا جميعا إلى البعيد. لذا علينا أن نصلّي دومًا: “يا ربّ عاملني بحسب رحمتك لا بحسب عدلك”.

“عرَّفَ موسى طرقَهُ وبني إسرائيلَ مشيئاتِهِ”. وما الطرق والمشيئة إلا كلمة الله ومسرته ورضاه، وقد عرفها للناس وأراهم إياها ووضعها نصب أعينهم، من موسى وحتى كل بني اسرائيل. إلا أن المشكلة عند الإنسان أنه يحيد دوما، ولم يسمِّ الله شعبه بالغنم صدفة، فنحن القطيع وهو الراعي لأننا يمكن أن نشرد في أية لحظة وهو يعيدنا إلى الحظيرة. وميلنا وحنيننا إلى الحيد عن طريق الله مزروع فينا منذ أيام جدنا آدم، الذي كان في الفردوس تحت كنف الله ورحمته إلى أن استمع إلى وشوشات الحية، التي زرعت في ذهنه أن الله لا يريده أن يأكل من شجرة معرفة الخير والشر لئلا يصبح مثله، وهذا ما يدمر أي علاقة حب بين اثنين. فعلاقة الحب تستمر طالما الثقة موجودة، وتنتهي بنهاية الثقة التي يكفي أن تنكسر من طرف واحد، وهذا ما فعلته الحية بزرعها خنجر في العلاقة بين الله وآدم. 

فالسقوط لم يكن بسبب التمرّد والعصيان، لأن الله لم يكن يأمر آدم في الفردوس، فبالمحبة نطلب من الآخر ما هو لمصلحته ولا نأمره بالتنفيذ لمصلحتنا، وخطيئة آدم الأساسية هي أنه جرح العلاقة بين الإنسان والربّ بإصغائه للحية – لأحد آخر غير الله. أما الله، فعندما طلب من الإنسان ألا يأكل من شجرة معرفة الخير والشر، كان ذلك لأنه لم يرد له أن يجري مساومة بين الأمرين، أو أن يتعامل معهما في آن واحد ويخلط بينهما لأن هذا لا يوصل إلا إلى الموت. والإنسان لم يصدق الله الذي يحبه فكُسرت العلاقة. في حين أن يسوع قد صدق الله بطريقة لا تصدق، صدق أنه ولو مات فسيحيا، وصدق أنه من الأفضل له أن يدير خده الأيسر لمن ضربه على الأيمن بدل أن يضربه. والله لا يمكن أن يصدَّق بالعقل البشري، ولكنَّ الكتاب يقول أن من يصدق الله في الأمور التي لا تُصدَّق يفهم حبه. 

وقد فعلها ابراهيم، وصدق أنه بترك أرضه وعشيرته وغناه وحياته الصعبة في البرية سيكون أغنى بكثير. ومن لا يصدق الله يكون عاقلا ولكن ليس محبا. والقداسة تبدأ من تصديقنا أن الله يحبنا، فنحن لا نخشى من يحبنا بل من لا نثق بمحبته لنا. فالإيمان هو أن نصدق محبة الله لنا. ولو بدأ اللاهوتيون بالنظر في الأمور منذ الأصل من منظار المحبة، لما كانوا وصلوا إلى إجراء انشقاق كنسي. وكيف يبرهن الله لنا محبته الصادقة التي لن نصدقها؟ يغفر خطايانا، يشفي أمراضنا ويكللنا بالرحمة وغيرها الكثير من الأمور التي أخبرنا إياها عبر موسى وغيره من آبائنا وأجدادنا.

“الربُّ رحيمٌ ورؤوفٌ وطويلُ الأناةِ وكثيرُ الرَّحمةِ”. وهنا يخطر ببالنا سؤال، ماذا لو عدنا فأخطأنا؟ ويأتينا الجواب في البيت الذي يليه مباشرة.
لا يسخط على الدوام ولا يَحقِدُ إلى الأبدِ. فالله لا يغضب منا على طول الأيام، بل يتراجع عن غضبه أحيانا ولا يحقد إلى الأبد. وهنا يطرأ ببالنا سؤال، لماذا استخدم المرنم فعل يحقد؟ هل الله حقود؟ لا. ولكن عندما يخطئ الإنسان يخشى ما سيفعله الله به، والمرنم هنا يطلب منا ألا نخاف لأن غضب الله لن يدوم، حتى وان اعتقدنا أنه سيعاقبنا، فبمجرد عودتنا إلى طريق الصواب، سينسى الله ما فعلنا.

“لا حَسَبَ آثامِنا عامَلَنَا ولا حَسَبَ خطايانا جازانا”. فاللّه لا يعاملنا بحسب خطايانا، وإلا لاندثرنا منذ زمن، وذلك بسبب رحمته.
لأنه بمقدارِ ارتفاعِ السَّماءِ عن الأرضِ عظَّمَ الربُّ رحمتَهُ على خائفيه. والخوف هنا هو خوفنا من أن يتركنا الرب. ونحن عادة نخاف من أن يفعل الله بنا شيئا، وهذا الخوف هو خارج إطار الحب. أما الخوف الناتج عن الحب في الحقيقة فهو ينبع من أن يمتنع الله عن فعل شيء بنا، أن يتركنا؛ كما يخشى المحب أن يتركه حبيبه. أما قوله “بمقدار ارتفاع السماء عن الأرض” فهو قد لا يمُسّنا تماما، لأن بعد الشيء أو قربه يرتبط بالقدرة على الوصول إليه، ونحن قد بات لدينا طرق توصلنا إلى السماء فهي ليست بالبعيدة بعد الآن، ولكن في أيام بولس الرسول كانت روما أقصى الأرض. ومن هذا المبدأ علينا أن نفهم أن الرب عندما يقول لنا: “أنا قريب منكم” لا يقصد مكانيا، بل يقصد أنه بإمكاننا أن نصل إليه بسهولة بدون جهد أو تعب.

“وبمقدارِ بُعْدِ المشرق عن المغربِ أَبْعَدَ عنا معاصينا”. هكذا يُنسينا الرب أعمالنا السيئة.
“كما يرأفُ الأبُ بالبنين يرأفُ الربُّ بخائفيه”. وهنا تتجلى صورة الأب، فالابن مهما أخطأ في حق والده، يبقى أبوه أصبر وأرأف وينسي ابنه معاصيه.
“لأنه يعرِفُ جِبلَتَنا ويَذكرُ أننا إنما نحنُ ترابٌ”. فالربّ يرأف بنا ويصبر لأنه يعرفنا، يعرف أعمال يديه، يعرف أننا ذرات تراب، أننا لاشيء، لذلك يرحمنا لأنه الأقوى، فالذي يرحم ويغفر يكون دوما في وضع أفضل من وضع ذاك المغفور له.

“الإنسانُ مثلَ العشبِ أيامُهُ وكزهرِ الحقلِ كذلك يُزهِرْ”.
لأنه إذا هبَّتْ عليه الريحُ يتلاشى ولا يَعرِفُه موضعُه مِن بَعد.
يشير المرنم هنا إلى أن أيام الإنسان قصيرة مهما طالت، كالعشب الذي يذبل بسرعة ويموت، ثم يزول ويتلاشى أثره كهبوب الريح على العشب اليابس.
“أما رحمةُ الربِّ فمِن الأزلِ وإلى الأبدِ على خائفيه وبِرُّه على أبناءِ بَنيهم”.

“على الحافظين عهدَهُ والذاكرين وصاياه ليَصنعوها”.
أي إذا اعتقدنا أنه بإمكان أي إنسان أن يشعرنا بالأمان ويحيطنا به، علينا أن نتذكّر أنه سيزول كعشب الحقل، والحكيم منا عليه أن يتعلّق بما هو أزلي وأبدي وهي رحمة الرب الأبدية. وبر الرب ورضاه يحلان على الإنسان وأبنائه مقابل أن يبقى مع الله ويقبله، وألا ينسى ما فعله لأجله.
الربُّ في السماءِ شيَّدَ كرسيَّهُ ومملكتُهُ تَسُود على الجميعِ. وهنا الحديث عن قوة الرب، فإذا كان عرشه في السماء، ويسود كل أنحاء الأرض، وأينما ذهب الإنسان، ومهما حاد، فسيأخذ ما يأخذه ولن يتغير شيء.

“باركوا الربَّ يا جميعَ ملائكتِهِ المقتدرينَ بقوّته العاملين بأمرهِ عند سَماعِ صوتِ كلامِهِ”.
“باركوا الربَّ يا جميعَ قوَّاتِهِ ويا خُدَّامَهُ العاملينَ إرادتَهْ”.
فالقوات تستمد قوتها من الرب، وتخضع له وتطيع كلمته.

“باركوا الربَّ يا جميعَ أعمالِهِ. في كلِّ مَوضعٍ من مواضعِ سيادتهِ”. باركي يا نفسي الربّ. في كلِّ مَوضعٍ من مواضعِ سيادتِهِ؛ هذه العبارة تفتح أبواب نقاش لاهوتي واسع وأسئلة كثيرة، أهمها: هل الله حاضر في كل مكان؟ وإذا كان الجواب نعم، ماذا تعني “مواضع سيادته”؟ أتوجد أماكن لا يسودها الرب؟ وبالتالي لا يكون الله في كل مكان!
لكي نفهم معنى “كل موضع من مواضع سيادته” علينا أن نفكر بالشكل الآتي: كيف للرب أن يكون سيّداً على إنسان يعبد صنما؟ أيكون سيّداً عليه دون أن يدرك؟ كيف؟ إذا كانت كلمة الرب لا تعنيه، وسلطته لا تصله، ولا يهمه إن فرح الرب به أو غضب منه، فكيف سيكون سيدا عليه؟
ومعنى القول، لتبارك أعمال يد الرب للرب، الذين عمل بهم، في كل مكان قبلت به النفس سيادة الرب، ففي المكان الذي يقبل فيه الإنسان أن يملك الله عليه، يكون الله سيّداً في هذا المكان. وبما أن للإنسان القدرة على التنقل في العالم، يكون الله سيّداً في العالم حيثما انتقل الإنسان، ويمكن أن يتأثر بعبادته وتقواه إنسان آخر يعبد إلها آخرا، فيقبل سيادة الرب عليه أيضا ويصبح الله في مكانين وثلاث وأربع بدل المكان الواحد، فالله يملك على النفوس وليس على الأماكن، وإذا ملك نفسا فلأنه صنع عملا فيها، فالله إله حدث وليس إله مكان.

ولو كان الواحد منا هو الإنسان الوحيد الذي يعبد الرب في العالم، فعليه أن يقول دائما: إلهي هو الله، وليس الله هو إلهي. والفرق أن كل الناس يقولون عن آلهتهم الله، فإن قلنا الله هو إلهي، فعن أي “الله” منهم نتحدث؟ أما قولنا “إلهي هو الله” فيعني أن هذا الإله الذي عرفني بنفسه فآمنت به وعبدته هو الله ولا أحد آخر سواه. وهو ما يقوله بولس الرسول في الرسالة الأولى إلى أهل كورنثوس، الإصحاح الثامن: “وإن كان لكم آلهة، وهناك آلهة، أما نحن فلنا إله واحد هو الآب ورب واحد هو يسوع المسيح”. 

إذا فإلهنا هو الله، أي الله السيد القادر على كل شيء يبدأ من مكان صغير ويعمَّم، وليس هو العام الذي يصغر، ولذلك في العهد القديم يُسمَّى الله “إله أورشليم”، المدينة التي عمل بها الله، أما في العهد الجديد فقد عمل الله في مكان صغير جدا، في يسوع المسيح وأرانا عظمته بأنه قادر على الموت. وإلهنا هو يخلق الله في أذهاننا، لأنه هو الذي يرينا صورته ولسنا نحن من نرسمها، وقد قال لموسى: “أنا الذي أنا”. كما انتظر النبي إيليا الله ليأتيه في الريح العظيمة، فأتى بنسيم عليل. وعندما اعتقد الشعب اليهودي أن الله سيهزم الأعداء ويحطم الأرض، ليبقى هيكله قائما، فهدم الله الهيكل ليثبت للشعب عدم ارتباط وجوده بالحجارة، وسُبي اليهود إلى بابل لاعتقادهم أنهم هم من يحمون الله، وجلسوا على أنهارها وبكوا وظنوا أنهم قد انتهوا، ولكن جاءت التعزية بعدها: “عزّوا عزّوا شعبي” يقول الربّ، فاللّه ليس إله التوقعات، له أفكار ومنطق يختلف عن منطق البشر: “كبعد المشرق عن المغرب هكذا أفكاري بعيدة عن أفكاركم وطرقي بعيدة عن طرقكم” يقول الربّ. 

وفي اللحظة التي نظن فيها أنّنا نحن الخطأة سنَذهب إلى الجحيم لشدة غضب الله علينا، نكون لا نعرف إلهنا، لأنه سيرحمنا في تلك اللحظة ذاتها، وإنْ ظننا أنه سيَرحمنا مهما فعلنا، فعندها أيضا نكون لا نعرفه. علينا أن ندعه ليكشف لنا عن نفسه كلّ يوم، وبحسب الرّسول بولس، ليس من المهم أن نعرف الله، المهمّ أن ندرك أن الله يعرفنا. ورحمة الله أكبر من خطيتنا، ولا أحد يمكنه أن يتوب إن اعتقد أن خطيئته أكبر من رحمة الله، فعلينا أن نكون كبطرس “وبكى بكاءً مراً”، وليس كيهوذا الذي انتحر.

في النهاية علينا أن نُدرك أن الله ليس كما نعرفه نحن، بل كما يُعرّفنا هو عن ذاته في كلّ صفحةٍ من صفحات الكتاب المقدّس. ونحن علينا أن نتعامل مع كل صفحة على أنها الكلمة التي لنا في هذا اليوم، والتي لنا غيرها في الغد بين طيّات صفحات أخرى.

ملاحظة: دُون الشرح بأمانةٍ من قِبَلنا.

Instagram
Copy link
URL has been copied successfully!
WhatsApp