في أسبوع الزِّيارة، يُخبرنا إنجيل اليوم عن زيارة الربّ يسوع برحمته لمتّى الإنجيليّ؛ واسمه أيضًا لاوي، وقد طلب منه الربَّ أن يترك كلّ شيءٍ ويتبعه، ففَعل. يدفعنا هذا النَّص الإنجيليّ إلى طرح السؤال حول سِرّ المسيح يسوع الّذي يدفع بالخطأة إلى اتِّباعه، وخصوصًا أنّ لاوي كان على مِثال زكَّا، عشَّارًا أي صاحب أموالٍ كثيرة. إنَّ سرّ المسيح يسوع هو المحبّة والرَّحمة. منذ سنواتٍ قليلةٍ مضَت، كرَّس البابا فرنسيس سَنةً من أجل الرَّحمة. واليوم، أكثر مِن أيِّ يومٍ مَضى، يطلب منَّا الربُّ عيش الرَّحمة تجاه بعضنا البعض، خصوصًا في هذه الظّروف التي نعيشها في وَطننا، المبنيّة على تراشق الاتِّهامات وتبادل الشّتائم، والرَّفض للآخر وعدم قبوله.

في ظلّ هذه الظروف المتشنِّجة الّتي نعيشها، يطلب منّا الربُّ رحمة بعضنا البعض كما رَحَم هو زكّا العشار، ومتّى اللّاوي، اللّذين كانا عشّارَين وخاطئَين . وهنا نطرح السُّؤال على أنفسنا: ما الّذي يؤخِّرنا عن عيش الرَّحمة تجاه بعضنا البعض؟ إنّ الرَّحمة مطلوبةٌ منّا نحن بشكل خاصّ، نحن الملتزمون الصّلاة والمواظبون على المشاركة في القداديس، والمثابرون على المناولة المقدَّسة، فنحن نسمع كلمة الله، ومدعوّون لعيشها في حياتنا اليوميّة.

في القدَّاس الإلهيّ الّذي نحتفل به اليوم ونذكر فيه موتانا، نحن الّذين نطلب الرَّحمة لموتانا عند رُقادهم قائلين: “رَحِمَه الله”، قد استبدلناها بعبارةٍ أخرى في هذه الأيّام، هي “المسيح قام، حقًّا قام”. مِنَ الـمُهمّ طلب الرّحمة لأمواتنا من الله، ولكن هذا لا يعني أنَّ الله سيَرحَم أمواتنا بسبب صلواتنا لهم، فالله سيَرحم أبناءه الرَّاقِدين، سواء طَلبْنا لهم الرَّحمة أم لَم نطلبها لهم.

من المفيد ترداد عبارة “رَحِمَه الله”، لنتذكّر أنَّ الرَّحمة يجب ألّا تكون فقط نابعة من الله تجاهنا، إذ إنّنا نحن أيضًا مدعوّون لرحمة بعضنا البعض. وإنَّ احتفالَنا اليوم هو احتفال بالرَّحمة، إذ عندما يذكر المؤمِن موتاه، هو لا يطلب من خلال صلاته الرَّحمة لهم، كأنَّ الله عاجزٌ عن رَحمة أبنائه المنتَقِلِين من دون صلاتنا، وبالتّالي نحن لا نُصلِّي كي يغفر الربُّ خطايا إخوتنا الرَّاقدين، فالربُّ سيَغفر لهم من دون حاجتهم إلى صلاتنا، ولكن في صلاتنا لأجل موتانا، في القدَّاس الإلهيّ، نحن نحتفل بهذه الرَّحمة الإلهيّة ونشكره عليها، إذ من دون رحمته، لَكُنّا نَهَلِك جميعًا.

نحن الحاضِرون هنا، متَّكلون على رحمة الله، فكَم بالحَريّ الإنسان الخاطئ! وفي هذه الظروف الصَّعبة الّتي يمرُّ بها وطَنُنا الحبيب، لا يكون الحلُّ بالتراشق الكلاميّ، إنَّما بِعَيش الرَّحمة تجاه بعضِنا البعض. للمسيح المجد. آمين.

ملاحظة: دُوِّنت العظة مِن قِبَلِنا بتصرُّف.