“فقالَت أمّ يسوع لِلخدم: مَهما قال لَكم فافعَلوه”(يو5:2)

بقلم الأب حنّا اسكندر،

إنَّ الله في الكتاب المقدّس أخَذَ صورة العريس لِيُعبِّر عن حُبّه لِشَعبِه، العروس، والمسيح أكمَل هذه الصورة، فهو العريس، والعروس هي كنيسته، أيْ المؤمِنون به.

في عُرس قانا الجليل، ليْس هناك ذِكرٌ لِلعريس، لذلك تَنظر مريم إلى المسيح، العريس الفِعليّ، الذي يحبّ الكنيسة، عروسَه، وهو يجمع الأرض بالسّماء في اجتماعه بِعروسه، أيْ البشرية، التي تغرّبَت عن بيتها الإلهيّ بِسبب خطيئتِها. وفي قَول العذراء مريم لابنِها يسوع العريس: “لم يَعُد لديهم خمر” (يوحنّا 3:2)، كانت تَعني وتَطلب، بما أنّ الخمر هو رَمزُ الفرح والعُرس، أن يُبارِك المسيح، العريس، عروسَه أي البشرية الخاطِئة، وأنْ يرمِّم العلاقة بين السّماء والأرض، فتعود عروسُه إلى فرحة العُرس والسّلام وحياة النّعمة.

فالعذراء مريم، التي تَنظر إلى البشرية الخاطئة والضعيفة والحزينة، مِن مُنطلق حبٍّ إلهيٍّ، كانت تدعو المسيح لِيَغفر خطيئتَنا، ويَجمَعَنا بأبيه لِيَعود الفرحُ والسّلام إلى حياتنا، ونُصبح شركاءه في الملكوت، كعريسٍ وعروسٍ، في فرحةٍ أبديّةٍ، حاصِلِين على الخلاص بِدمه بعدما دَمّرَتنا الخطيئة؛ وهكذا أفرَحَت مريم قلوبَ أبنائها البشر، عروس ابنِها يسوع، أيْ الكنيسة، وفَرِح قلبُها، المملوءُ من محبة الله، كذلك فرِح قلبُ ابنِها، وقلبُ الآب، بِعَودة البشر إلى حياة النّعمة، إلى العرس والفرح.

أمّا صدى الجملة الثانية مِن فم العذراء: “مَهما قالَ لَكم فافعَلوه”، فهو إشارةٌ إلى الكتاب المقدّس بِكلِّيّته، عَبْرَ صوتِ الأنبياء، الذين نادوا على الدوام: “اسمَعوا صوت الله واعمَلوا به”.

ولليوم الثّالث دلالاتٌ مهمّةٌ في الإنجيل: فلمّا أضاعَت العذراء يسوع بِعمر اثنتَي عشرة سنةً، وجَدَته في بيت أبيه، يحقّق رسالتَه، وقد عانَت جرّاء هذا الفُقدان عذابًا ممِيتًا دام ثلاثة أيام ( لوقا 41:2-50). وكان هذا العذاب الـمُميت استباقًا لِعذابٍ أكبر، كانت تَعِيه العذراء في قلبِها، وهو تحقيق فداءِ البشرية على الصّليب، إتمامًا لإرادة أبيه، لِترى بعدها فرحةَ القيامة.  

في الختام، كلّنا على مِثال العذراء التي أجابَت بـ: “نعم”، وتحمَّلت صعوباتٍ لا تُحصى ولا تُعَدّ، وبَقِيَت أمينةً لرسالتِها حتى الممات، هي التي حمَلَت يسوع في بطنِها وأعطَته للعالم قربانَ خلاصٍ وفرحٍ لِلبشر، لأنّها كانت مغمورةٌ بالحُبّ الإلهيّ وتُشارك ابنَها بِفداء الصّليب. ونحن الذين نَتناول القربان، أي جسدَ ودمَ المسيح، أيْ المسيح نفسَه، في القدّاس، على مثالِها، مَدعوّون لِنُقدّم المسيحَ لِلعالم قربان خلاصٍ وفرحٍ. فنَصوم بِنقاءٍ، ونصلّي بِصفاءٍ، ونُكثِر العطاء، في الخفاء، مُنتظرِين جزاء السّماء، ونُسامِح مَن أساء، ونَهتمّ بالـمُعوَزين والمرضى والفقراء. عندها يَموت فينا إنسانُنا القديم، إنسانُ الخطيئة، ويَقوم فينا الإنسانُ الجديد على صورة يسوع، المحبة.

Instagram
Copy link
URL has been copied successfully!
WhatsApp