“يا بُنَيَّ، أعطِني قلبَكَ” (أم 23 : 26)
بقلم الخوري أدي أبي يونس،
“يا بُنَيَّ، أَعطِني قَلبَكَ”، بهذه الكلمات من سِفر الأمثال يتوجّه الربّ إلى كلّ واحدٍ منّا، ولكن ما معنى طلب الربّ هذا، وإلى ماذا يرمز القلب في الكتاب المقدّس؟
يَختصر القلب الإنسان بكلِّيّته ، فلا يرتبط بالعاطفة فحسب ، بل يتعدّى البُعد العاطفي ليَشمل أبعاد الإنسان كافّة. ومِن كلّ ما يرمز اليه القلب، يهمّنا بشكلٍ خاص أنّه مركز القرار، فهو قد يميل إلى الشرّ أو إلى الخير (أم 7 : 25). لذلك حين يطلب الربّ أنْ نعطيه قلوبنا، فهو يطلب إذًا أنْ نسلّمه مشيئتنا، مركز قرارنا، فلا نعود نتّكل على ذواتنا وفطنتنا، بل على الربّ الإله ( أم 3 : 5). هذه الآية إذًا، تجد أفضل تجسيد لها في صلاة يسوع المسيح في بستان الزيتون حين قال: لا مشيئتي بل مشيئتك (لو 22 : 43). وما هي مشيئة الربّ لنا؟ إنّ مشيئةَ الله هي تقدّيسنا (1 تس 4 : 3). وفي زمنٍ يدعو الفرد إلى الاستقلاليّة والفردانيّة، ما الذي يشجّعني على أنْ أسلّم قراري لآخر؟
في كلّ مرّة يتسلّل الشكّ إلينا ويمنعنا من الاستسلام لله، فلْنتذكر أنّ إلهنا هو “إله إبراهيم وإسحق ويعقوب”، أي فلْنتذكّر أعماله في تاريخنا كما كان شعب اسرائيل يتذكّر أعمال الربّ في تاريخه، لكي نجدّد الثقة بأنّ الربّ الذي رافقنا سابقًا وخَلَّصنا سيَعود ويُخلِّصنا الآن. لا شكّ أنّه من السهل نسبيًا أنْ نسلّم تاريخنا وماضينا للرب واثقِين أنّه يغفر لنا خطايانا ويبيّضها ولو كانت كالقرمز (إش 1: 18)، لكنّه حتمًا أصعب علينا أنْ نسلّمه مستقبلنا، وهذا هو ما فعله الربّ يسوع في صلاته في بستان الزيتون. عندما صلّى المسيح: لتكن مشيئتك لا مشيئتي، كان يضع مستقبله بين يديّ الربّ، وكان يَعلَم أنّ ساعة الألم والموت قد حانت. في هذا الموقف تعليمٌ ومثالٌ لنا، فالصعوبات ليست فرصةً للتملّص من التزامنا مع الربّ، بل هي الفرصة الأصحّ للتسليم ولاختبار عنايته وسط عجزنا، وقوّة قيامته وسط موتنا.
إنّ ما يشجّعنا على تسليم ذواتنا لله هو أنّنا عرفنا أنّ الله محبّة، وبأَنَّه وَضَعَ نَفْسَهُ لأَجْلِنَا ( 1 يو 3 : 16)، أي أنّه سلّمنا ذاته حين مات من أجلنا، فلذلك نبادله العطاء والتسليم فلا نحيا لأنفسنا، بل للذي مات عنّا، وقام من أجلنا (2كور 5 : 15). حينئذٍ يصبح الربّ مصدر حياتنا وغايتها الوحيدة، فنَسلك كما الربّ، بالنزول إلى الآخرين وانحنائنا عليهم وبذلِ الذات من أجلهم، فنصبح حيثما حلَلنا نورًا للعالم (مت 5 : 14) كما أنّه هو نور العالم (يو 8 : 12).