“خذ الكتاب وابتلعه” (رؤ 9:10)

بقلم الأخت روز أبي عاد،

قَبْلَ رؤيا يوحنّا، كان الربّ قد طَلب من النبيّ حزقيال أن يَفتح فمه ويتناول الكتاب الذي يقدّمه له (حزقيال 2: 8-3: 3)، وبِدَورِه يقول إرميا النبيّ “حينَ كانَت كَلِماتُكَ تَبلُغُ إِلَيَّ كُنتُ أَلتَهِمُها…” (إرميا 15: 16).

يكمن سرّ هذا الكتاب المقدّس في كونه حلوًا ومرًّا في آنٍ؛ فالحلاوة ترمز إلى الغلبة على التجارب والمشقّات واللامبالاة، والمرارة هي المعاناة والجهاد الروحيّ في مواجهة التحدّيات الكبرى من أجل الثبات في الأمانة لإنجيل التطويبات. الحلاوة ملازمة للمرارة كما الغلبة للمشقّة: “والغالِبُ سأَهَبُ لَه أَن يَجلِسَ معي على عَرْشي، كما غَلَبتُ أَنا أَيضًا فجَلَستُ مع أَبي على عَرشِه” (رؤيا 3: 21). إنّه كتاب من نورٍ ونار. كتاب العهد بين الله والبشر، كتاب البشرى بالخلاص و”بالسماء الجديدة والأرض الجديدة”، إنّه الكلام الخارج من فم الله، وكلامه سيفٌ قاطعٌ يفصل بين الحقّ والباطل، وبين النّور والظلمة (عب 4: 12-13).  حقًا، وحده الحمل الذبيح أهلٌ لِفَتح الكتاب وفضّ أختامه لأنّه ذُبح وافتَدى لله بدمه أناسًا من كلّ قبيلة ولسان وشعب وأمّة (رؤيا 5: 9، 12).

ولكنّنا نحن أيضًا مدعوّون إلى أكله وابتلاعه لِيَجري في عروقنا، ممّا يحتّم علينا المرور بأكثر من مرحلة: بدايةً، القراءة الّتي تفترض السكون الداخليّ، بعيدًا عن الأفكار المشوّشة بأمور العالم، ثمّ، الإصغاء الذي لا يعني فقط السماع، ولقد سبق الربّ وميّز بينهما عندما قال: يسمعون سماعًا ولا يفهمون” (مت 13: 13)، ثمّ، التأمّل وهو باب الدخول الى سرّ الله بمعيّة الروح لنفهم ما نقرأ، وبعدها، الصلاة الّتي تأتي كردّة فعل عفويّة نابعة من القلب، ثمّ، جني ثمرة المحطّات السابقة عبر وضعها موضع التنفيذ، وأخيرًا، إذ تتغلغل فينا كلمة الله، نصبح تلقائيًّا رسلاً بأفعالنا وأقوالنا.

فكما طلب منّا الربّ يسوع في إنجيله الخلاصي أن نأكل جسده لكي نثبت فيه (يوحنّا 6: 54-55)، هو يدعونا بالـمَثَل إلى ابتلاع كتابه الذي يحوي غذاءنا الروحيّ إلى الكمال، بل هو الأوكسيجين الذي يحمينا من الاختناق بالمهمّات الدنيويّة. إنّ ابتلاع الكتاب يعني التحوّل المتبادَل: فمن ناحية، يصير الكتاب في داخلنا غذاءً وشفاءً وخلودًا، ومن ناحية أخرى يحوّلنا إليه عقلاً وروحًا وشعورًا فنصير خلقًا جديدًا.

السؤال: إذا كنّا قد طُعِّمنا بكلمة الله وجسده، فهل نخاف بعدها من الموت الجسديّ؟!

Instagram
Copy link
URL has been copied successfully!
WhatsApp