تفسير الكتاب المقدّس،

الأب ابراهيم سعد،

“سِفر المزامير – المزمور 2” 

“لماذا ارتجَّتِ الأممُ، وفكَّرتِ الشعوبُ بالأباطيل؟ قامتْ ملوكُ الأرضِ واجتمعتِ الرؤساءُ جميعاً على الربِّ وعلى مسيحِهِ قائلين:
 لنقطعْ رُبُطَهُما ونُلقِ عنا نِيْرَهُما. الساكنُ في السماءِ يَضحكُ منهم. والربُّ يستهزئُ بهم.  حينَئِذٍ يكلِّمُهم بغضبِهِ ويُروِّعُهُم بسخطِهِ.
أنا أُقِمتُ منه مَلِكاً على صهيونَ جبلِ قُدْسِهِ. مُنْذِراً بِشرْعةِ الربِّ. الربُّ قال ليَ: أنتَ ابني وأنا اليومَ ولدتُكَ. اِسألْني فأعطِيَكَ الأممَ ميراثاً لك وأُمَلِّكَكَ جميعَ أقاصي الأرض. فترعاهم بعصاً من حديد. وتَسْحَقَهم مثل وعاءٍ من فَخَّارْ. فالآن يا أيها الملوكُ تفهَّموا. ويا جميعَ قضاةِ الأرضِ تأدَّبوا. أُعبدوا الربَّ بخشيةٍ وهلِّلوا له برِعدةٍ. اِلزموا الأدبَ لئلا يغضبَ الربُّ فتضِلُّوا عن طريقِ الحقِّ. لأنَّ غضبَهُ يتَّقدُ بسرعةٍ فطوبَى للذين عليه يتوكَّلونَ أجمعين”.

شرح النصّ الكتابيّ:

كانت العادة أن يتلى هذا المزمور في احتفال تنصيب الملوك، إذا هناك حديث عن الله وعن ملك. ومسيح الرب هو المختار والممسوح والمعين، أي الملك، فالمسيح هنا هو الملك على الأرض، وسنبدأ بشرح معاني المزمور، ومن ثم سنسقط هذه المعاني على أحداث العهد الجديد. وكالعادة عند حديثنا عن ملك، علينا أن نتحدث عن عدو ومعركة وانتصار.

“لماذا ارتجَّتِ الأممُ، وفكَّرتِ الشعوبُ بالأباطيل؟ قامتْ ملوكُ الأرضِ واجتمعتِ الرؤساءُ جميعاً على الربِّ وعلى مسيحِهِ قائلين: لنقطعْ رُبُطَهُما ونلقِ عنا نِيْرَهُما”

يبدأ المرّنم مزموره بصيغة السؤال، مستخدما لفظتَي “الأمم والشعوب” واللّتين يقصد بهما الأعداء، ويخبر بأن مجرد التفكير بمقاومة الملك أو التمرد عليه هو ما يدعى بالباطل. ونلاحظ أن الكاتب في الأبيات الثلاثة الأولى يتحدث عن حرب الأعداء على الملك، ولكن عند التعرض للملك فإنهم أيضا يتعرضون للمملكة وبالتالي لإله المملكة، لأن زوال المملكة يعني زوال إلهها على حد سواء، إذ أن الآلهة وقتها عند الشعوب الوثنية كانت مرتبطة بالمكان، ووحده إله الكتاب المقدس بات مرتبطا بحدث وليس بمكان، والحدث الذي ارتبط به إله الكتاب المقدس في العهد القديم هو حدث الخروج؛ عندما أخرج الشعب من أرض العبودية في مصر ورافقهم في الصحراء وأدخلهم أرض كنعان ليعبدوه. فالفرق إذا بين عبادة الإله الحي والعبادات الوثنية هي أن الآلهة أو الأصنام لها مكان واحد، فآلهة أثينا لا يمكنها أن تتأله في مكان آخر، وعند تعرض المكان للدمار والاندثار يندثر معه الملك وكذلك الآلهة، وتأتي الحضارة الجديدة وتجلب معها آلهتها وتستوطن فيه. فعندما تحارب الشعوب والأمم الملك، فهي تستهدف إله الملك أيضًا لِيزيلوه بِزوال الملك ومملكته. والحرب التي حصلت مع فرعون في سفر الخروج لم تكن بين فرعون وموسى أو بين فرعون والشعب، بل بين فرعون والله. فالنقاش كان بين الله وفرعون، لأن ما كان يهمّ فرعون في وقتها لم يكن موسى بل إلهه، فقد أراد أن يلغيه من الذاكرة والجغرافيا لأنه اعتقد أن الإله ثابت في مكان شعبه كصنم، يتحرك فقط بتحركهم وتحرك مدينتهم. فعمليا، حملت الشعوب الأخرى آلهتها وتنقلت بها، أما إله العهد القديم فقد حمل – أي الله – شعبه وتنقل به، فالصورة إذا تختلف تماما!

وما نخشاه اليوم هو عودة بعض الإخوة المسيحيين إلى فكرة الوثنية من دون أن يدركوا، وذلك من خلال ربطهم القديسين بأماكن معينة. فعلى سبيل المثال، يعتبرون أن السيدة العذراء في إحدى المناطق لها تأثير أقوى من تأثيرها في منطقة أخرى، فتصبح محجاً للناس وكأن القداسة تنتهي خارج حدودها. علينا أن ندرك أننا شعب لا يقدس المكان، لأن كل موطئ أرض هو ملك لله، والدنيا وكل ساكنيها، إذ ليس من مكان مقدس وآخر غير مقدس. لذا يجب توخي الحذر من تحويل القديسّين والله إلى آلهة مكان، في حين أنّ الله إله حدث، فعندما ظهر الله لموسى في العليقة الملتهبة، سأله موسى عن هويته التي عليه أن ينقلها للناس، فأجابه الله: “أنا الذي أنا – أكون الذي أكون”، أي الله يحضر في الوقت الذي يريده، كما يحضر في كل أمر يفعله، وليس مرتبطا بمكان، والدليل أنه أرشد الشعب في الطريق الذي عليهم أن يسلكوا فيه حاملا إياهم، وبات من بعد حادثة الخروج ، في كل الكتاب المقدس، يربط نفسه بحدث أثناء وصفه لذاته “أنا إلهكم الذي فعل”، أي يظهر نفسه بحدث تكتشف الناس حضوره من خلاله. 

يقول الله: “أنا الذي قطَّعتكم على أجنحة النسور”، أي هو قد شق البحر الأحمر ليمروا عبره لئلا يكون لأحدهم فضل أو جهد في قصة الخروج ولو حتى بالسباحة للوصول إلى الطرف المقابل، فالعمل الخلاصي بأكمله من إنجاز الله ولا دور للإنسان فيه مطلقا، وعليه فقط أن يقبله قبولا تاما. وفي العهد الجديد، يظهر حضور الله في عمل يسوع، وليس في مدينة، والدليل أن المدينة التي اعتقد الناس أنها مدينة الله وهي أورشليم، هي بذاتها المدينة التي صلبت مسيح الله، فالأرض لا تحفظ شعوبها بل الله يحفظهم، وهذه حقيقة لا يمكننا إدراكها إلا بعماد عقولنا. ويسوع قد أفرغ نفسه تماما أمام الله، لذلك ملأه الله تماما وبرز عمله فيه بروزا تاما، فلم نعد قادرين على التمييز بين الآب ويسوع، وقد قالها جندي روماني عند الصليب عندما أفرغ يسوع نفسه حتى الموت: “حقا كان هذا ابن الله”.

وكل الحروب مبنية على فكرة إلغاء إيمان الآخر، وزرع آلهة مكان أخرى، وهي فكرة وثنية إلى أبعد الحدود. لذلك لا يتوجب على المسيحي الحقيقي أن يحارب الآخر ويعمل على إبعاده من المكان الذي يتواجدان معا فيه لمجرد الاختلاف عنه، ومهما كانت درجة هذا الاختلاف، وإذا قرر أنه لا بد من ذلك، فعلى المسيحي نفسه المغادرة، ويبقى إلهه الذي هو قادر أن يصنع من الحجارة أبناء لابراهيم.

وعلى الإنسان الحذر من أن يجعل الله بالجهل والتقوى الزائدة على صورته ومثاله، لأن الله خلقنا بالأصل على صورته هو ومثاله، وهذا للأسف ما يحدث في كثير من الأوقات، والدليل هو الناس الذين يطلبون من الله ضرب عدوهم وأذيته، فهم يريدون الانتقام ويجعلون الله “منتقما” على صورتهم، أو الناس الذين يضرعون إلى القديسين لتلبية أمر ما، وإن لم يحدث أنكروهم. هذه هي الوثنية بحد ذاتها، فهي بالأصل قائمة على بناء صنم على الصورة التي يرغبها الناس – على صورتهم ومثالهم هم – ومن ثم عبادته. ولكي يذكرنا الله بأنه ليس إله تصوراتنا، يقول عن نفسه في الكتاب المقدس دوما “أنا الذي فعل”. والآن يمكننا أن نفهم سبب رواية الكلام الجوهري بأكمله في كل قداس من الطقس الشرقي – الله الذي خلق…إلخ – قبل طلب تحويل الخبز والخمر إلى جسد المسيح ودمه، وكذلك في المعمودية قبل طلب تقديس المياه، وذلك خشية من أن يطلب الكاهن تقديس الخبز أو الماء من إله تصوراته وليس من الله المخلّص، ففي ذلك إذا عملية تذكير له بحقيقة الله، ولهذا السبب عينه هناك نص إنجيلي ورسولي في كلّ قدّاس، لإيقاظ الناس من أحلامهم وتصوراتهم؛ الله الذي (فعل حدث) هو إلهنا. ولم يرتبط كلام يسوع صدفة بالآيات التي كان يصنعها، أي بأحداث تدلنا على الطريق الحق، فالعجائب هي علامات تقودنا إلى الله وليست أمرا يجب أن نوقف مسيرتنا عنده فقط وننشئ له المزارات وكل ما يختص بالأمور البشرية. فعلى سبيل المثال، ليس هناك ما يسمى بالبخور المقدس، ولكن هناك بخور يتقدس عندما نشركه معنا في إعلان قداسة الله في لحظة معينة، وخارج هذه اللحظة هو مجرد حجارة، ويقصد عند تبخير الناس في الكنيسة إخبارهم أنهم آلهة على صورة الله ومثاله، فيأتي الجواب منهم برسم إشارة الصليب تعبيرا عن أن المجد كله للآب والابن والروح القدس الذين نحن لا شيء أمامهم، أي هناك حوار في التبخير، وإلا يكون مجرد فعل وثني برمي البخور أمام الربّ لإرضائه. وهناك أيضا مثل وثني شائع “ساعة لك وساعة لربك”، وفي الحقيقة أن كل الساعات للرب لأنه موجود في كل تحرك صغير يقوم به الإنسان الذي أراد الانضواء تحت جانحه. وهناك الكثير من هذه الخرافات التي تقودنا في منحى سحري، وتتحول صلاتنا إلى تمتمات.

ففي المزمور إذا، تريد الشعوب والأمم الدمار، أي هي العدو، والعدو يمكن أن يكون أي أحد، يمكن للإنسان نفسه خلق عدوه، إلا أن العدو الحقيقي هو الذي يريد أن يلغي حكم إلهنا علينا ويمنعنا من طاعته والخضوع له. وللأسف، فإن العدو قادر في كثير من الأحيان أن يلغي إلهنا دون أن يدخل معنا في حرب حتى! يلغيه بالإغراء والدغدغة والترف وحتى بالمناسبات الدينية والأعياد
(X-Mas بدلا من Christmas)، يلغي العدو إلهنا من ذاكرتنا عندما ندفع المبالغ الطائلة لشراء زينة جديدة لعيد الميلاد، في حين أن هناك إنسان فقير لا يعرف معنى العيد، فأين هو إلهنا إذا؟

فهدف العدو الأول والأخير هو أن يلغي خضوعنا لإلهنا ويجعلنا نتمرد عليه “لنقطعْ رُبُطَهُما ونُلقِ عنا نِيْرَهُما”، والنير هنا هو الناموس عند اليهود، إذ بات قيداً يخضعون له ولا يمكّنهم من التحرك، لذلك يقول يسوع مستخدما التعبير ذاته: “أنا حملي خفيف ونيري هيّن”.

“الساكنُ في السماءِ يَضحكُ منهم. والربُّ يستهزئُ بهم”.
وهنا يأتي الجواب على رغبة العدو بإنهاء خضوع الناس للرب، باستهزاء الله – الملك – الرب – المسيح بهذا العدو والضحك منه. والفرد منا لا يستهزئ أبدا بمن هم أعلى منه شأناً، بل بمن هم أقل منه شأناً، لأن الضحك منهم هو دليل على أننا نسحقهم. والرب هنا يعبر بضحكه أن الأعداء منهزمون لا محالة مهما فعلوا.

“حينَئِذٍ يكلِّمُهم بغضبِهِ ويُروِّعُهُم بسخطِهِ”. مساومة العدو تؤدي به إلى سحقنا والانتصار علينا، والرب يدرك أنه لا يمكن له أن يعامل عدوه إلا بغضب إلهي وحزم. كذلك نحن، لا يمكن لنا التغلب على الخطيئة بالمسايرة، بل بالحزم وحده، لأن المسايرة تؤدي بنا إلى السقوط في الهوى والخطيئة من خلال التبرير. والمسايرة أصلا تنبع من الخوف من الموت كأن نسرق لتأمين قوتنا؛ أي خوفا من الموت نرزح تحت نير عبودية الخطيئة.

يقول الربّ في الإنجيل المقدّس: “أحبوا أعداءكم”، ولكن علينا أن ننتبه إلى أنه لا يمكننا التساهل مع أي أمر معادٍ لنا. فيسوع لا يعني بالعدو من يريد أذيتنا، بل يقصد كل شخص نحتكّ به يوميا وخلقناه نحن عدوا لنا لأسباب معينة، دون أن يكون هو عدونا أساسا. فكما نجعل الغريب قريبا لنا؛ “من هو قريبي؟”… “من صار قريبا”، كذلك بالحسد والغيرة نخلق الأعداء. أما العدو الحقيقي فهو الخطيئة وليس الخاطئ، فالخاطئ هو مريض، وعندما يخطئ بحقنا يكون الله قد عيننا أطباء له وليس أعداء، أما الخطيئة فتبقى خطيئة ولا يمكن مساومتها.

“أنا أُقِمتُ منه مَلِكاً على صهيونَ جبلِ قُدْسِهِ”.
أي الله عينني ملكا على جبل قدسه، أي على المكان الذي نعلن منه قداسة الربّ.

“مُنْذِراً بِشرْعةِ الربِّ. الربُّ قال ليَ: أنتَ ابني وأنا اليومَ ولدتُكَ”.
فالملك قبل تنصيبه بلحظة ليس ملكا، ويملك في اللحظة التي ينصب بها، لذلك لا وجود للقب الملك السابق. وفي اللحظة التي ينصب فيها الملك يُعلن أنه ابن الله. والله قد نصب يسوع مسيحا في المعمودية في اللحظة التي قال له بها: “أنت ابني الحبيب الذي به سررت”، ليعكس إرادة الله على الشعب. ونحن قد بدأنا نعرف يسوع كإنسان، ثم كُشف لنا أنّه إله.

“إِسألْني فأعطِيَكَ الأممَ ميراثاً لك وأُمَلِّكَكَ جميعَ أقاصي الأرض”.
فالملك يجب أن يسيطر على جميع الناس، ليبقى منتصرا وبالتالي يبقى ملكا، ويبقى إلهه إلها، وذلك يتحقق عندما يطلب من الربّ.
فترعاهم بعصاً من حديد. وتَسْحَقَهم مثل وعاءٍ من فَخَّارْ. وهنا يقصد الغلبة على الأعداء.
فالآن يا أيها الملوكُ تفهَّموا. ويا جميعَ قضاةِ الأرضِ تأدَّبوا.

“أُعبدوا الربَّ بخشيةٍ وهلِّلوا له برِعدةٍ”.
وهنا يتم إعلان الانتصار، لأن الخضوع لإله غير الإله المعبود أصلا يعني خسارة الحرب. فالشيطان عندما جرب يسوع حاول إغراءه بامتلاك الدنيا بأكملها مقابل أن يسجد له، فأجابه يسوع: “للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد”، فالخضوع إذا هو العبادة، ويسوع لم يقبل أن يعبد الشيطان ليس لأنه الشيطان، بل لأن يسوع لا يقبل أية هدية أو عطية إلا من الله وحده. فمجرد النظر إلى أحد غير الله يعتبر زنى روحي. لذلك وكالصوان وصل يسوع إلى الموت الذي كان إعلانا لقيامته. ففي حين أن الموت هو إعلان النهاية، أعلنت بداية يسوع بقيامته، بداية جديدة.
“إلزموا الأدبَ لئلا يغضبَ الربُّ فتضِلُّوا عن طريقِ الحقِّ. لأنَّ غضبَهُ يتَّقدُ بسرعةٍ فطوبَى للذين عليه يتوكَّلونَ أجمعين.” آمين
ولكن كيف نقرأ هذا المزمور ونحن تحت رحمة الربّ يسوع والإيمان به؟ بأية ذهنية يجب أن نقرأه؟
علينا أن ندرك أن الله الآب والربّ يسوع يستهزئان بالأعداء، وهما منتصران عليهم، ويبقى علينا فقط أن نقف ونصدق أنهما يضحكان من الأعداء منتصرَين. لا يُطلب منا الاشتراك بالحرب والفوز معهما، بل تصديق ذلك فقط وربما الضحك معهما. ولكننا نُدخل الأعداء معنا إلى حيث تكمن القداسة، فنصبح نحن المتمردين والأعداء، ويصبح الحل أن نخضع مجددا.

إذا عند قراءتنا لهذا المزمور، تتم الحرب فينا، لنعلن انتصار الله فينا أيضًا، أي بحدث عمله الله فينا وهذه هي القداسة. القداسة هي حربٌ دائمة أرضها نحن، والمنتصر والخاسر فيها نحن، وعلينا أن نختار من نكون “المنتصر أم الخاسر”، وهكذا تُعلَن ملكية الله، ليس في السماء فحسب بل كذلك على الأرض داخلنا؛ “لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض”. ويسوع قال عندما دخل بيت زكا: “اليوم صار خلاص لهذا البيت”، وزكا عبّر عن فرحه بزيارة الربّ بتوقفه عن مسايرة الخطيئة، بتوزيع نصف أملاكه على الفقراء، وإعادة أربعة أضعاف ما كان يعشره.

ملاحظة: دوِّن الشرح بأمانةٍ من قِبلنا.

Instagram
Copy link
URL has been copied successfully!
WhatsApp