تفسير الكتاب المقدّس،
الأب ابراهيم سعد،
“إنجيل القدّيس مرقس الرّسول – الإصحاح الخامس”
– النّص الإنجيليّ: (مر 5: 1-21)
“وَجَاءُوا إِلَى عَبْرِ الْبَحْرِ إِلَى كُورَةِ الْجَدَرِيِّينَ .وَلَمَّا خَرَجَ مِنَ السَّفِينَةِ لِلْوَقْتِ اسْتَقْبَلَهُ مِنَ الْقُبُورِ إِنْسَانٌ بِهِ رُوحٌ نَجِسٌ، كَانَ مَسْكَنُهُ فِي الْقُبُورِ، وَلَمْ يَقْدِرْ أَحَدٌ أَنْ يَرْبِطَهُ وَلاَ بِسَلاَسِلَ، لأَنَّهُ قَدْ رُبِطَ كَثِيرًا بِقُيُودٍ وَسَلاَسِلَ فَقَطَّعَ السَّلاَسِلَ وَكَسَّرَ الْقُيُودَ، فَلَمْ يَقْدِرْ أَحَدٌ أَنْ يُذَلِّلَهُ. وَكَانَ دَائِمًا لَيْلًا وَنَهَارًا فِي الْجِبَالِ وَفِي الْقُبُورِ، يَصِيحُ وَيُجَرِّحُ نَفْسَهُ بِالْحِجَارَةِ. فَلَمَّا رَأَى يَسُوعَ مِنْ بَعِيدٍ رَكَضَ وَسَجَدَ لَهُ، وَصَرَخَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ وَقَال: “مَا لِي وَلَكَ يَا يَسُوعُ ابْنَ اللهِ الْعَلِيِّ؟ أَسْتَحْلِفُكَ بِاللهِ أَنْ لاَ تُعَذِّبَنِي!” لأَنَّهُ قَالَ لَهُ: “اخْرُجْ مِنَ الإِنْسَانِ يَا أَيُّهَا الرُّوحُ النَّجِسُ.” وَسَأَلَهُ: “مَا اسْمُكَ؟” فَأَجَابَ قِائِلًا: “اسْمِي لَجِئُونُ، لأَنَّنَا كَثِيرُونَ.” وَطَلَبَ إِلَيْهِ كَثِيرًا أَنْ لاَ يُرْسِلَهُمْ إِلَى خَارِجِ الْكُورَةِ. وَكَانَ هُنَاكَ عِنْدَ الْجِبَالِ قَطِيعٌ كَبِيرٌ مِنَ الْخَنَازِيرِ يَرْعَى، فَطَلَبَ إِلَيْهِ كُلُّ الشَّيَاطِينِ قَائِلِينَ: “أَرْسِلْنَا إِلَى الْخَنَازِيرِ لِنَدْخُلَ فِيهَا.” فَأَذِنَ لَهُمْ يَسُوعُ لِلْوَقْتِ. فَخَرَجَتِ الأَرْوَاحُ النَّجِسَةُ وَدَخَلَتْ فِي الْخَنَازِيرِ، فَانْدَفَعَ الْقَطِيعُ مِنْ عَلَى الْجُرْفِ إِلَى الْبَحْرِ. وَكَانَ نَحْوَ أَلْفَيْنِ، فَاخْتَنَقَ فِي الْبَحْرِ. وَأَمَّا رُعَاةُ الْخَنَازِيرِ فَهَرَبُوا وَأَخْبَرُوا فِي الْمَدِينَةِ وَفِي الضِّيَاعِ. فَخَرَجُوا لِيَرَوْا مَا جَرَى. وَجَاءُوا إِلَى يَسُوعَ فَنَظَرُوا الْمَجْنُونَ الَّذِي كَانَ فِيهِ اللَّجِئُونُ جَالِسًا وَلاَبِسًا وَعَاقِلًا، فَخَافُوا. فَحَدَّثَهُمُ الَّذِينَ رَأَوْا كَيْفَ جَرَى لِلْمَجْنُونِ وَعَنِ الْخَنَازِيرِ. فَابْتَدَأُوا يَطْلُبُونَ إِلَيْهِ أَنْ يَمْضِيَ مِنْ تُخُومِهِمْ. وَلَمَّا دَخَلَ السَّفِينَةَ طَلَبَ إِلَيْهِ الَّذِي كَانَ مَجْنُونًا أَنْ يَكُونَ مَعَهُ، فَلَمْ يَدَعْهُ يَسُوعُ، بَلْ قَالَ لَهُ: “اذْهَبْ إِلَى بَيْتِكَ وَإِلَى أَهْلِكَ، وَأَخْبِرْهُمْ كَمْ صَنَعَ الرَّبُّ بِكَ وَرَحِمَكَ”. فَمَضَى وَابْتَدَأَ يُنَادِي فِي الْعَشْرِ الْمُدُنِ كَمْ صَنَعَ بِهِ يَسُوعُ. فَتَعَجَّبَ الْجَمِيعُ. وَلَمَّا اجْتَازَ يَسُوعُ فِي السَّفِينَةِ أَيْضًا إِلَى الْعَبْرِ، اجْتَمَعَ إِلَيْهِ جَمْعٌ كَثِيرٌ، وَكَانَ عِنْدَ الْبَحْرِ”.
شرح النّص الإنجيليّ:
في هذا الإصحاح، يَعمد الإنجيليّ مرقس إلى إظهار سُلطانِ يسوع وقُدرَتِه أوّلاً على الشَّيطان، وثانيًا على شِفاء الإنسان. في المقطع الأوّل من هذا الإصحاح، يُخبرنا الإنجيليّ مرقس عن كُورَة الجَدريِّين أو الجِراسِّيِّين أو الجرحسيِّين، فالتَّعبير يختلف من ترجمةٍ إلى أُخرى لهذا النَّص. إنّ هذه الكورة تعني أنّها منطقة ليست يهوديّة، بل هي مدينة وثنيّة، إذ هناك، أوّلاً، حديث عن الجِهة الأُخرى من البحر، أي العالَم الآخر، وهناك ثانيًا حديث عن خنازير؛ وكما هو معلوم أنَّ اليهود لا يُربّون الخنازير، وهذه الإشارات كُلّها تدلّ على أنّ هذه المدينة ليست يهوديّة. ولكنَّ يسوع قد اقتحم هذه الـمُدُن غير اليهوديّة. إنّ الحديث الأدبيّ المكتوب في هذا النَّص، هو عن إنسان به روحٌ نَجِس. إنّ عبارة “روحٌ نَجِسٌ” تعني أنّ هذا الإنسان لا يَخضع لله، أي أنّه لم يسمع بكلمة الله، وبالتّالي لم يقبل بكلمة الله ولم يؤمن بالله، أي أنّنا نتكلَّم على شخص خارج الإيمان، أي أنّه تحت حُكم الشَّيطان.
وبالتّالي كلّ إنسان خارج كَنَف الله هو، في الإنجيل، حُكمًا تحت حُكم الشَّيطان وفي مملكة الشَّيطان. لذلك، إنّ العداوة الأساسيّة الّتي تُصوَّر في الإنجيل هي عداوة الشَّيطان لله، وكلّ مَن يتبَع الشَّيطان والوثنيِّين يُعتَبر من الّذين يتبعون الشَّيطان. يُخبرنا النّص أنّ هذا الإنسان “كان مسكنه القبور”، أي أنّ هذا الإنسان كان يواجه الموت يوميًّا، والقبور تُشير أيضًا إلى النَّجاسة، وكلّ صُوَر النَّجاسة مذكورة في هذا النَّص. فالخنازير تُشير إلى النَّجاسة والقبور تُشير إلى النَّجاسة. ويُخبرنا هذا النَّص أنّ هذا الإنسان لم يكُنْ يُربَط، وهذا يُشير إلى دَرجة الشَّراسة الّتي كان يملكها، وتدلّ هذه العبارة على أنّه، إلى هذا الحدّ، إنسان غير عاقل، وأنّه إنسانٌ مَجنون. كيف نعرف أنّ هذا الإنسان كان مجنونًا؟ مِن الحديث الوارد في المقطع الثّاني من هذا النَّص. إذًا، هذه الحالة المرضيّة الّـتي يعاني منها هذا الإنسان هي جنون، ولكن هذا الجنون لا يُفسَّر، لذلك يُقال ويعرَّف عنه أنّه يسكنه الشَّيطان. وكان يهمّ مرقس أن يَذكر هذا الموضوع، ليتكلَّم عن انتصار الربّ على الشَّيطان وقِوى الشَّر. وتلاحظون العدد الكبير من الشّياطين الموجودين في هذا الإنسان. وعندما أراد الربّ يسوع إخراجهم من هذا الإنسان قالوا أمرًا غريبًا للربّ: “أستَحلِفُكَ بالله”.
كيف يُعقَل أن يقول شيطانٌ للربّ “أستَحلِفُكَ بالله”؟ هذا لا يمكن إلّا أن يعكس الغَدر وخُبث الشَّيطان في كلِّ لحظة للرّبّ، منذُ قابَلَه في البَرِّيَّة إلى وقت الصَّليب. في كلّ هذا الوقت، ستُلاحِظون خُبثَ الشَّيطان على الدَّوام. في منطقةٍ وثَنيّةٍ، يسوع يشفي هذا الإنسان المجنون، ولكن بعد أن خرجَتْ منه الأرواح الشِّريرة، أي أنّ هذا الإنسان، بعد قبوله ليَسوع المسيح، أصبح إنسانًا عاقلاً. وقد استَخدم الإنجيليّ عبارة “عاقلاً”، أي أنّ هذا الإنسان بات متوازن العقل. إذًا يا إخوتي، إنّ الخطيئة تؤدِّي إلى خَللٍ في العقل، أي إنّها تؤدِّي إلى عدم توازن في النَّفسيّة. لذلك، هناكَ أسبابٌ كثيرة نجهَلُها في أوضاعِنا النَّفسيِّة، والجسديّة في بعض الأحيان، تكون وراء ارتكابِنا خطيئةً ما، مُتَمسكِّين بها ولا نَعرِف أن نتركها. لذلك هي تُعذِّبنا، وعلى الأخصّ، أولئك الّذين لديهم الرّغبة في أن يكونوا مع الله. فهؤلاء يتعذّبون أكثر من أولئك الّذين لا رغبة لهم في أن يكونوا مع الله. فالّذي ليست لديه الرَّغبة فإنّ هذا الموضوع لا يعنيه، أمّا الّذي لديه الرَّغبة فإنّه يتأثّر بهذا الموضوع، ولكن مشكلته تكمن في أنّه يتحجَّج بِضعفِه، بدلَ أن يتجَّج بقوّته وبقراره الّذي اتَّخذه بِتَرك هذه الخطيئة. هذه هي حالتنا نحن البَشر.
اسمه “لَجِئون” أي كثيرون. الخنازير ذهبت وماتت. وهذا يعني أنّ لا حياة للشّر أمام المسيح، لا حياة للشَّيطان أمام المسيح. فكلَّما كُنتَ أيّها الإنسان بعيدًا عن المسيح، أصبحتَ معرَّضًا أكثر للخطيئة. وكُلَّما كنتَ قريبًا من المسيح، كُنتَ مُحصنًّا أكثر من الخطيئة. وبالتّالي، فإنّ قُربَك وبُعدَك عن الربّ، هما الّلذان يضعانِكَ في موضع مساومة ومسايرة الخطيئة ومسايرتها، أو عدم مساومتها ومسايرتها. لذلك، نلاحظ أنّ القدِّيسين هُم في غالبيّة الأحيان قاسيين على أنفسِهم، وقُساة على الّذين يطلبون الإرشاد منهم في موضوع المساومة على الخطيئة. نحن للأسف، ميّاليين كي نضع رِجلٌ في البُور والأُخرى في الفِلاحة، كي نربح على الجِهَتين، ولكنّ النتيجة تكون خسارة على كِلا الجِهَتَين، إذ بَقينا على هذه الحال. لذلك، نجد أنّ باب النِّعمة مفتوحٌ وباب التّوبة مفتوح في كلّ لحظةٍ لنا. إذًا، أوّل عمليّة قَهرٍ للشَّيطان في هذا الإصحاح هي أنّ الشَّياطين خرَّت وخافَت وطَلَبَت من الربّ يسوع أن يضعها في الخنازير، إذا قرّر إخراجها من الإنسان، أي أن يَضَعها في مكانها الطبيعيّ. ولكن لا حياة أمام الربّ للشَّر، لذلك نلاحظ أنّها ماتت. تخيّلوا معي أنّ هناك قِسمًا من البشر يُعبِّرون عن شفقتهم على موت الخنازير معتبرين أنّ الخنازير لا علاقة لها بما حدث.
إخوتي، نحن لا نعمل ضمن إطار جمعيّة الرِّفق بالحيوان في الإنجيل. إذ إنّ المقصود في هذا الإنجيل من موت الخنازير هو القول إنّ كلّ مكان للشَّر يُباد أمام سُلطان يسوع. وهنا، في هذه المسألة، لا نريد الدُّخول في أمور طقسيّة، لا تهمّنا في الوقت الحاضر هنا، بل نحن نتكلَّم من خلال هذه الحادثة على عمق الموضوع، وهو أنّ هناك حربًا دائمة بين المسيح وبين الشَّيطان، ملعَبُها هو الإنسان. والسُّؤال هو مَن سيَنتَصِر في النِّهاية؟ وإنّ الإنسان هو الّذي يُقرِّر مَن سيَنتَصر فيه هل الله أم الشَّيطان. إنّ هذا الرَّجل المجنون صار عاقلاً وصار جالسًا ولابسًا. إنّ اللِّباس، هنا، يدلّ على أنّ هذا الإنسان قد أصبح إنسانًا حرًّا لا عبدًا لقوى الشَّيطان، فهو أصبح ابنًا لله. إنّ اللافت، هنا، أنّ هذا الإنسان ذهب وبدأ يُخبر بما حدث معه، مع العِلم بأنّ يسوع طلب منه الذّهاب إلى بيته وأن يُخبر أهله فقط ماذا عمِل الله معه وكيف رَحِمَه. وهذا يعني أنّ الله طلب منه أن يُخبر عن عمل الله معه في بيئته، في منطقته، أي عند الوثنيِّين. غير أنّه ذهب وبدأ ينادي بما صنع معه الربّ في العَشرِ مُدُن. وهذا يعني أنّ هذا الرَّجل المجنون الذي أصبح إنسانًا عاقلاً تحوَّل إلى مُبشِّر بالربّ وإلى تِلميذٍ له؛ فعندما يقبل الإنسان رحمَة الربّ يسوع وعَمل يسوع فيه لا يستطيع إلّا أن يُعلِن عمّا آمنَ به: “آمَنتُ لذلك تكلَّمتُ”، “مَن آمن واعتَرَف”. إذًا، الموضوع هو مرتبطٌ ببعضه البعض، مَن يؤمن بالربّ، يُعلِن عمّا اختبره مع الربّ. فعلى الرُّغم من أنّ يسوع يُعطي تنبيهات بِعَدَم البَوح، قَبل الإصحاح الثامن من إنجيل مرقس، حتّى لا يُفهَم على أنّ الرّبّ آتٍ ليَبحث عن جماهير تتبعه لتُصفِّقَ له، فتنظر إليه هذه الجماهير حينها على أنّه داود بالمعنى الملَكيّ البشريّ، أي أنّ هذه الجماهير قد تعتقد بأنّ الربَّ آتٍ ليُعيد مملكة إسرائيل.
– النّص الإنجيليّ: (مر 5: 22-24)
“وَإِذَا وَاحِدٌ مِنْ رُؤَسَاءِ الْمَجْمَعِ اسْمُهُ يَايِرُسُ جَاءَ. وَلَمَّا رَآهُ خَرَّ عِنْدَ قَدَمَيْهِ، وَطَلَبَ إِلَيْهِ كَثِيرًا قَائِلًا: ابْنَتِي الصَّغِيرَةُ عَلَى آخِرِ نَسَمَةٍ. لَيْتَكَ تَأْتِي وَتَضَعُ يَدَكَ عَلَيْهَا لِتُشْفَى فَتَحْيَا! فَمَضَى مَعَهُ وَتَبِعَهُ جَمْعٌ كَثِيرٌ وَكَانُوا يَزْحَمُونَهُ.
شرح النّص الإنجيليّ:
وهنا ننتقل إلى المقطع الثّاني من هذا الإصحاح، ونتكلَّم على رؤساء المَجمَع. إنّ الربّ يسوع قام بِشفاء عند الأُمَم، ثمّ قام بأعجوبة شِفاء عند اليَهود. وهذا يعني أنَّ الكُلّ سواسية أمام عمل الله الخلاصيّ. لذلك، نقرأ أنّ يائيروس حين رأى الربّ يسوع خرّ على قَدَميه. وهذا يُشير إلى موضوع السُّجود، موضوع الخُضوع وموضوع القبول. وأخبره أنّ ابنته على آخر نسمة، أي أنّها هي أيضًا مُشرفة على الموت. إذًا، في الأُمم، كان هناك رَجُلٌ مجنون يعيش في القبور، وهنا عند اليَهود، ابنة أحد رؤساء المجمع مُشرفة على الموت. إذًا إنّ الربَّ ذهب مع رئيس المجمع ليَشفي فتاةً على آخر نَسمةِ حياة.
– النّص الإنجيليّ: (مر 5: 25-34)
“وَامْرَأَةٌ بِنَزْفِ دَمٍ مُنْذُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً، وَقَدْ تَأَلَّمَتْ كَثِيرًا مِنْ أَطِبَّاءَ كَثِيرِينَ، وَأَنْفَقَتْ كُلَّ مَا عِنْدَهَا وَلَمْ تَنْتَفِعْ شَيْئًا، بَلْ صَارَتْ إِلَى حَال أَرْدَأَ. لَمَّا سَمِعَتْ بِيَسُوعَ، جَاءَتْ فِي الْجَمْعِ مِنْ وَرَاءٍ، وَمَسَّتْ ثَوْبَهُ، لأَنَّهَا قَالَتْ: إِنْ مَسَسْتُ وَلَوْ ثِيَابَهُ شُفِيتُ. فَلِلْوَقْتِ جَفَّ يَنْبُوعُ دَمِهَا، وَعَلِمَتْ فِي جِسْمِهَا أَنَّهَا قَدْ بَرِئَتْ مِنَ الدَّاءِ. فَلِلْوَقْتِ الْتَفَتَ يَسُوعُ بَيْنَ الْجَمْعِ شَاعِرًا فِي نَفْسِهِ بِالْقُوَّةِ الَّتِي خَرَجَتْ مِنْهُ، وقالَ: مَنْ لَمَسَ ثِيَابِي؟ فَقَالَ لَهُ تَلاَمِيذُه: أَنْتَ تَنْظُرُ الْجَمْعَ يَزْحَمُكَ، وَتَقُولُ: مَنْ لَمَسَنِي؟ وَكَانَ يَنْظُرُ حَوْلَهُ لِيَرَى الَّتِي فَعَلَتْ هذَا. وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَجَاءَتْ وَهِيَ خَائِفَةٌ وَمُرْتَعِدَةٌ، عَالِمَةً بِمَا حَصَلَ لَهَا، فَخَرَّتْ وَقَالَتْ لَهُ الْحَقَّ كُلَّهُ. فَقَالَ لَهَا: يَا ابْنَةُ، إِيمَانُكِ قَدْ شَفَاكِ، اذْهَبِي بِسَلاَمٍ وَكُونِي صَحِيحَةً مِنْ دَائِكِ”.
شرح النّص الإنجيليّ:
ثمّ يتابع الإنجيليّ ويُخبرنا عن امرأة نازفة. انظروا إلى هذا التَّلازم.
إنّ المرأة الّتي تنزف في المجتمع اليهوديّ هي امرأة نَجِسة. إذًا النّزف مرتبط بالنَّجاسة. إنّ المرأة الّتي تنزف باستمرار تعني أنّه لا إمكانيّة لديها لإنجاب الأولاد، إذًا، لا حياة فيها. فمن جهة، هناك فتاةٌ صغيرة مشرفة على الموت، لديها حياة ولكنّها ستنتهي قريبًا، ومن جِهة أُخرى امرأة تنزف دمًا، أي أنّه من غير الممكن أن تُعطي حياةً. المرأة تنزف دمًا منذ اثنتي عشرة سنة، أي منذ مدّة طويلة جدًّا. إنّ عبارة “أطبّاء كثيرين”تعني الّذين تبعوا آلهة كثيرة، عبدوا آلهة كثيرة، ولكنّهم لم يستطيعوا الاستفادة من عبادتهم. أي أنّ العِبادة الوثنيّة لم تُعطِهم حياة. وبما أنّ حالة المرأة أصبحت أسوأ، فهذا يعني أنّ عبادة الأصنام تؤدي بك إلى الهلاك. إنّ المميّز في هذا المقطع الإنجيليّ أنّه يتكلَّم على امرأة نازفة دَم، وهذا يعني أنّها من العالَم الوثني. إنّ هذه المرأة قد لَمَست ثوبه، ولكن في إنجيل إزائي آخر يستعمل الإنجيليّ عبارة:”مسَّت هُدبَ ثوبه”.
إنّ الرّبانِّيين، أي الحاخاميِّين اليَهود، واليَهود المتَديّنين، عندما يلبسون عباءتهم، كانوا يضعون الشّريعة على ثيابهم. وبالتّالي أراد يسوع القول من خلال عبارة “مسّت هُدبَ ثوبه”، إنّ الخلاص يأتي منه هو مباشرةً لا من اليهوديّة، وبالتّالي لا داعي للإنسان الوثنيّ أن يمرّ باليهوديّة قبل قبوله بالمسيح. فعندما لمست المرأة ثوب الربّ، شعرَ بقوّة خرَجت منه، وقال لها إيمانُكِ شفاكِ. وهذا يعني أنّ المؤمِن بيَسوع المسيح، إن كان وثنيًّا، ليس بالضرورة أن يُصبح يهوديًّا قبل قبوله المسيح. وهذا الصِّراع كان عند اليهود مع الرُّسل أجمعين وعلى الأخصّ مع بولس الرَّسول. إنّ الإنجيليّ مرقس هو تلميذ بولس مِن حيث الفِكر المسيحيّ. إذًا، لا حاجة عند الإنسان الوثنيّ، كي ينال الخلاص بيَسوع المسيح، أن يتعلَّم اليهوديّة، أي أن يتعلّم النّاموس اليهوديّ،كما كان اليهود يريدون، إذا كان غير يهوديّ، بل يستطيع أن يُصبح مؤمنًا بالربّ مباشرة. لذلك، إخوتي، إنّ فِكرة الوساطة الّتي نشأت في ما بعد في الكنيسة وبتشويش معيّن، هي فِكرة شفاعة. وأصبح البعض يعتقدون، وكأنّنا بحاجة إلى وسيط معيّن بيننا وبين الربّ. لا! إخوتي نحن لسنا بحاجةإلى وسطاء بيننا وبين الربّ، وإذا أردنا أن يكون هناك وسيط فليس هناك إلّا وسيطٌ واحد فقط، هو يسوع الإنسان كما قال لنا بولس في رسالته إلى تيموتاوس. إنّ يسوع الإنسان هو الباب الوحيد لنا، هو الوسيط الوحيد لنا، هو الشَّفيع الوحيد لنا بالرُّوح القدس. إذًا، مفهوم الوساطة، مفهوم الشّفاعة في الكنيسة قد ذهب إلى بعض التقويّات الفارغة من دون التأسيس على الفهم، بل انطلاقًا من الجهل، لذلك، أصبحت خرافة. إذ أصبح الأشخاص الّذين يلجأون إلى شفاعة القدِّيسين يستطيعون الاستغناء عن الله، ولكنّهم لا يستطيعون الاستغناء عن القدِّيس. ما دفع البعض الآخر إلى اعتبار أنّ الشَّفاعة تقوم على إلغاء دور يسوع، متنازلين عن دور الربّ إلى أشخاصٍ آخرين. لذلك كان البروتستانت أوّل مَن اعترضوا على هذه الفِكرة، ولو كانت الكنيسة تفكِّر بهذه الطريقة لكان الحقّ كلّه معهم، غير أنّ الكنيسة لا تُفكِّر هكذا. فشعبيًّا وتقويًّا، ذهبنا إلى مكانٍ آخر. ولكن في الحقيقة يا إخوتي، إنّ الشَّفاعة هي معاضدة ومساندة وليست وساطة. أرغب في التَّشديد على هذا الموضوع كي تتم
كَّنوا من الصّلاة بطريقة صحيحة في صلواتكم إلى القدِّيسين. هناك شطط أي خلل كبير، ولكن أخاف الاسترسال كي لا أُفَهمَ بطريقة خاطئة من الكنيسة المارونيّة، ولا سيّما أنّني كاهن اورثوذكسي. إخوتي، هناك خلل في فَهم فِكرة الشّفاعة عند حميع المؤمنين الغربيِين والشّرقيِّين. إنّ فِكرة التركيز على ذخائر القدِّيسين تحتاج إلى وعي وفَهم في طريقة تعاطينا مع هذا الامر. إنّ تعاملنا مع ذخائر القدِّيسين يجب أن لا يكون وكأنّ هذه الذخيرة هي أمر سحريّ، أو بطريقة تقوم على عزل قوّة الربّ يسوع في هذا القدِّيس، لأنّ الله هو الّذي يُظهر عجائبه من خلال هذا القدِّيس وليس القدِّيس هو الّذي يقوم بالعجائب من تلقاء ذاته. يقول لنا الكِتاب: “عجيبٌ الله في قدِّيسيه”، “لا لنا، لا لنا يا ربّ، بل لاسمك أعطي المَجد”، أي أنّ الفضل لا يعود لنا أو للقدِّيس.
إخوتي، إنّ القدِّيسين يعرفون هذا الأمر، وهو أنّ الفضل لا يعود لهم بل للربّ، ولكن المشكلة تكمن في الّذين يتبعون القدِّيسين، فَهُم الّذين لا يعرفون هذا الأمر. لذا علينا الانتباه كثيرًا. سامحوني إخوتي، لأنِّي أستطرد كثيرًا في هذا الموضوع، إذ ألاحظ دائمًا أنّه في زمن الشِّدة، وفي زمن الخوف، وزمن الجوع، وفي الزّمن الّذي نحن فيه، ألاحظ أنّ هناك انجذابًا مَرَضيًّا نحو مفهوم القدِّيسن والشَّفاعة، حتّى يُخيّل للبعض وكأنّ الله لا ينفعنا بشيء، لذا فلْنذهَبْ إلى القدِّيسين. منذ أيّامٍ قليلة أوقفني شخصٌ بسيطٌ بعض الشيء ليُخبرني أنّ مار شربل قام بأعجوبة، فأجبته إنّ مار شربل يقوم كلّ يومٍ بأعجوبة، ومن إحدى الأعاجيب أن ّالنّاس لا زالت تتكلَّم على عمل الله في قدِيسيه، وتمجِّده.
إنّ الأعجوبة إذًا هي موجودة على الدَّوام، ولكن للأسف نحن لدينا حنين إلى رؤية رجال ونساء لديهم خوارق طبيعة. نحن إذًا لدينا الحنين إلى الإنسان الخارق الطبيعيّ. إنّ أهمّ قدِّيسين في الشَّرق هما مار جرجس ومار الياس، وحديثًا دَخل إلى هذه اللائحة مار شربل. إذ إنّ غالبية الكنائس الـمُشادة في لبنان هي على اسمَي هذين القدِّيسَين، وذلك لأنّ مار الياس يحمل سيفًا ومار جرجس يحمل رِمحًا. ولأنّنا نبحث عن رِجال أقوياء ليُحاموا عنّا نحن الضُّعفاء في شرقٍ نحن نرزح فيه، لذا نتعلّق بالقدِّيسين. وهنا نسأل على سبيل المِثال كم كنيسة للقدِّيس متّى موجودة في هذا الوَطن، أو للقدِّيس نتنائيل؟ للأسف، لا! فنحن نحبّذ القدِّيسين الّذين قاموا بأعاجيب كثيرة، وهذا دليل قوّة، أو الّذين قاموا، في قصّة حياتهم، بقتل الوثنيِّين وقتل كهنة بعل. وهناك كنائس للسَّيِّدة العذراء لأنّ لها ميزة خاصّة، وهذا موضوع آخر. ولكن ما اتكلَّم عليه، هو طريقة تعاطينا مع القدِّيسين، مع الشُّفعاء، إنّهم ليسوا وُسطاء. أي إنّهم إلى جانبنا لا أمامنا، حتى وإن ماتوا فَهُم لا يتقدّموننا بشيء. لأنّ الكنيسة الحقيقيّة هي الأموات والأحياء يلتفّون معًا حول يسوع المسيح الّذي ينتَصِب في وَسَطِهم وهو الّذي يجعلهم كنيسة.
“متى اجتمع اثنان او ثلاثة باسمي فإنِّي أكون حاضرًا في وسَطهم”. إنّ يسوع هو الأساس. إذًا، حين نتكلَّم مع القدِّيس انطلاقًا من أنّه يقف كتِفًا إلى كَتِف معنا، فإنّ مفهوم الشَّفاعة يتغيّر، وننال تعزية روحيّة لنا على الرُّغم من الشِّدة الّتي نمرّ بها، إذ نشعر بأنّ آخرَ يتعزّى معنا، ويُعزِّينا ويُصلِّي لنا ويُصلِّي عنّا، لا أنّه يقوم بواسطة لنا. ومن المعروف عندنا في لبنان أهميّة الوساطة إذ لا يمكنك أن تتوظّف إلّا إذا كانت لديك وساطة. إنّ الدّنيا هي على هذه الحال تسير، غير أنّ الله ومع القدِّيسين لا يسيرون وِفق هذا المنطِق البشريّ. ومن جرّاء مفهومنا الخاطئ للشَّفاعة، أصبحنا نعاني من مشكلة ثانية وهي الخوف من القدِّيسين، وهذا ما نراه بطريقة واضحة في القُرى، فنسمع أنَّ مار الياس “عينه ضيِّقة” وكذلك مار جرجس. وهذا يعني في مفهوم القرى، أنّه إذا كانت هناك أرضٌ تابعة للوقف وأخذت منها شيئًا فإنّ مار الياس أو مار جرجس شفيع الكنيسة، سَيَكون المسؤول عن أيّ مكروه قد يُصيبك عمّا قريب.
وهنا نسأل على أيّ قدِّيسين نتكلّم؟ إخوتي، إنّ الله قد جعل من أولئك البشر قدِّيسين بسبب طهارة قلوبِهم، وطهارة فِكرهم وبساطة عينِهم، واستنارة داخلهم، على أيّ قدِّيسين نتكلّم؟ على قدِّيسين ينتقمون من إخوتهم البشر! فإذا كان الله القادر والقدير لم ينتقم منك وهو يُمهِلُكَ ولا يُهمِلُك فهذا يعني أنّه يُمهِلُكَ ولا يُهمِلك ولا يعني أنّه يتوعّدك بالقصاص. إنّ الله يُمهلِكَ ولا يُهمِلُكَ، تعني أنّه لا يتركك وحدك على الرُّ غم من أنّه يُمهِلُكَ، فهو يُعطيك نعمةً منه وقوّة منه كي تتمكَّن من التخلُّص من مشاكلك، حتّى تتحرّر من خطيئتك. إذًا، هذه العبارة “إنّ الله يُمهِل ولا يُهمِل”، لا نستعملها كلّما تعرَّضنا للأذيّة من شخصٍ ولسنا قادرين على الرَّد عليه، فنقول له: “إنّ الله يُمهِل ولا يهمِل”.
إنّ هذه العبارة فيها تعزية للّذي تعرَّض للأذيّة وللّذي قام بأذيّة الآخَرين. إنّ الله يُمهِل حتّى يتوب الّذي أذى عن أذيّته ويتوب عن خطيئته. إذًا، إنّ مفهوم الشَّفاعة يتحوّل إلى شفاعة لبعضنا البعض. فحين نقول مثلاً لبعضنا البعض: “صلِّ لي”، وأنا أقول لك:”أذكرني في صلاتك”، فهذا يعني أنّني أطلب منك أن تكون سندي وشفيعًا لي بالمعنى الّذي شرحته الآن، أي ضَع كتفَك على كتفي كي أتقوّى لأنَّ الله يسمع الصّلوات والطّلبات. كيف؟ ولماذا؟ فهذا شأن الله. لذلك يا إخوتي، إنّ الموضوع أساسيّ جدًّا، كي لا ننجرّ إلى فكرة وجود وسيط.
إخوتي، لا وسيط لنا إلّا يسوع المسيح، وكلّ القدِّيسين لا يمكننا رؤيتهم إلّا مع يسوع المسيح. في التقليد الشَّرقي، إنّ العذراء مريم لا تُرسَم وحدها إلّا وابنها يسوع المسيح معها على ذراعيها، إلّا في أيقونة واحدة وهي أيقونة الصّليب، إذ نجدها واقفة أمام الصّليب والربّ يسوع معلَّقٌ على الصَّليب. إذًا، ارتباط القدِّيس بالربّ يسوع هو ارتباط من دون أيّة مسافة بينه وبين الربّ بعد أن يتقدَّس ويموت. فنحن حين نلتجئ إلى الربّ يسوع ونأخذ شفيعًا لنا، فالمسافة بين الربّ يسوع والقدِّيس معدومة، إذ لا مسافة تفصل بين الربّ يسوع والقدِّيس على الإطلاق.
إنّ توقُّف النّزف عند المرأة يعني أنّه أصبحت هناك إمكانيّة حياة عندها. عندما تَقبَل يسوع، فإنّه يُحييك من جديد، حتّى إن كنتَ رميمًا، أي حتّى وإن كُنتَ عِظامًا.
– النّص الإنجيليّ: (مر 5: 35-43)
“وَبَيْنَمَا هُوَ يَتَكَلَّمُ جَاءُوا مِنْ دَارِ رَئِيسِ الْمَجْمَعِ قَائِلِينَ»:ابْنَتُكَ مَاتَتْ. لِمَاذَا تُتْعِبُ الْمُعَلِّمَ بَعْدُ؟ فَسَمِعَ يَسُوعُ لِوَقْتِهِ الْكَلِمَةَ الَّتِي قِيلَتْ، فَقَالَ لِرَئِيسِ الْمَجْمَعِ: » لاَ تَخَفْ! آمِنْ فَقَط « وَلَمْ يَدَعْ أَحَدًا يَتْبَعُهُ إِلاَّ بُطْرُسَ وَيَعْقُوبَ، وَيُوحَنَّا أَخَا يَعْقُوبَ.
فَجَاءَ إِلَى بَيْتِ رَئِيسِ الْمَجْمَعِ وَرَأَى ضَجِيجًا. يَبْكُونَ وَيُوَلْوِلُونَ كَثِيرًا. فَدَخَلَ وَقَالَ لَهُمْ »:لِمَاذَا تَضِجُّونَ وَتَبْكُونَ؟ لَمْ تَمُتِ الصَّبِيَّةُ لكِنَّهَا نَائِمَة. فَضَحِكُوا عَلَيْهِ. أَمَّا هُوَ فَأَخْرَجَ الْجَمِيعَ، وَأَخَذَ أَبَا الصَّبِيَّةِ وَأُمَّهَا وَالَّذِينَ مَعَهُ وَدَخَلَ حَيْثُ كَانَتِ الصَّبِيَّةُ مُضْطَجِعَةً، وَأَمْسَكَ بِيَدِ الصَّبِيَّةِ وَقَالَ لَهَا: «طَلِيثَا، قُومِي!» الَّذِي تَفْسِيرُهُ: يَا صَبِيَّةُ، لَكِ أَقُولُ: قُومِي! « وَلِلْوَقْتِ قَامَتِ الصَّبِيَّةُ وَمَشَتْ، لأَنَّهَا كَانَتِ ابْنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً. فَبُهِتُوا بَهَتًا عَظِيمًا. فَأَوْصَاهُمْ كَثِيرًا أَنْ لاَ يَعْلَمَ أَحَدٌ بِذلِكَ. وَقَالَ أَنْ تُعْطَى لِتَأْكُلَ”.
شرح النّص الإنجيليّ:
إنّ بطرس ويعقوب ويوحنّا هُم أعمدة الكنيسة في أورشليم. إنّ الضَّجيج والولولة هما إحدى صُوَر الموت. “فَضحكوا عليه”، عبارة تُذكِّرنا بشخصٍ آخر في العهد القديم قد ضحك على اللّه وهي سارة. وعندما ضحكت سارة على الله، أجابها بما أنّك ضحكتِ فإنّك ستُسمِّين ابنك الّذي ستَلدينه إضحَك أي إسحَق. وذلك كي يتذكّروا على الدَّوام أنّهم في إحدى اللَّحظات لم يقبَلوا كلام الله بثقة. ليس الـمُهمّ أن تؤمن بالله بل المهمّ أن تثق بالله. وهذا أساسيّ جدًّا. إخوتي، إنّ الشَّياطين قد آمنت بوجود الله، إذ قالت له: “أجئتَ إلى هنا لتُعذِّبنا؟”، وهكذا البعض يقولون جهارًا إنِّهم يؤمنون بالله، ولكن تصرّفاتهم لا تعكس ذلك. إنّ كلّ شيءٍ قابلٌ للبنيان إذا كانت الثقة موجودة، حتّى إنّ الخلاف يتنظّم إذا كانت الثِّقة موجودة. إنّ مرقس يستعمل بعض العبارات الأراميّة القديمة: “طليتا”، تعني “صبيّة”. إذًا، المرأة النّازفة كانت تنزف منذ اثنتي عشرة سنة، وهذه الصبيّة كانت ابنة اثنتي عشرة سنة. طلب يسوع من أهلها أن “تُعطى الصبيّة لتأكل”، والمقصود بهذه العبارة التأكيد على أنّها حيّة. كما واستعمال فِعل القيام، أي قامت، كلّها ترمز إلى إعطاء الربّ الحياة من جديد لهذه الفتاة. إذًا، الربّ يسوع أعطى الحياة للمرأة النازفة الدّم، أي للمرأة الوثنيّة، كما أعطى الحياة لليهود الّذين خرّوا عند قَدَميه، أي للّذين قبلوه. أمّا الّذين لم يقبلوه، سواء أكانوا يهودًا أم اُممًا، فقد رفضوه، وبالتّالي لن ينالوا الشِّفاء منه. إذًا، لاحظتم أنّ هذا الإصحاح الخامس، يُخبرنا عن عمليّة انتصار على الشّر، انتصار على المرض، وانتصار على الموت، إذًا، إنّ سلطان يسوع يَظهر بكلّ أبعاده في هذا الإصحاح.
في المرّة القادمة، سنقوم بشرح الإصحاح السّادس، الّذي يبدأ بعد الإصحاح الخامس، فبَعدَ أن أظهر يسوع سُلطانَه وقوتَّه، سيبدأ باختيار تلاميذه الاثني عشر في هذا الإصحاح. وشكرًا.
ملاحظة: دُوِّن الشرح بأمانةٍ مِن قِبَلِنا.